الكاتب : حسن العاني

حين ظهر الدين الإسلامي الحنيف في جزيرة العرب لأول مرة كانت عبادة الأوثان راسمة في العقول والسلوك وتمثل العقيدة الروحية الثابتة في النفوس بغض النظر عن استثناءات قليلة هنا وهناك، هي اقرب ما تكون إلى التمرد او عدم الاعتراف بأهلية الأوثان او الإرهاصات الفكرية بظهور دين جديد او حدوث تغيير على وسائل العبادة، ولكن السيادة العامة في تلك الحقبة كانت للأصنام، وتعدد الآلهة، ولذلك حين بدأ دور الأوثان في بالتراجع شيئا فشيئا مع كل انتصار جديد للدين الإسلامي واتساع رقعته، إلى ان تلاشى اثر الأصنام وعبادتها بصورة نهائية، كان الرعيل الأول من المسلمين حريصا على عدم تشجيع الناس على نحت التماثيل من أية مادة، ولـــو كان ذلك لأغراض فنية بحتة، خشية إثارة الحنين في النفوس، لان العرب كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام!
ربما كان المسلمون الأوائل محقين في موقفهم الى حد «تحريم» التعاطي مع نحت التماثيل، لان أركان المجتمع الإسلامي اهتزت بصورة مؤذية بعد وفاة الرسول الكريم (ص)، وكاد الدين يتعرض إلى انتكاسة خطيرة، بفعل (الردة) التي كان ظاهرها الامتناع عن عدم الزكاة، او باطنها العودة الى (دين الآباء) وأصنامهم لان الإسلام لم يتحول بعد الى (إيمان) يغمر القلوب، وعقيدة راسخة في العقول، عند أعداد كبيرة من الناس التي أسلمت خوفا او طعما، ولكن المشكلة التي لم يلتفتوا إليها، هي ان التحفظ او التحريم في قضية النحت قد امتد بالضرورة يشمل الفن التشكيلي بصورة عامة، ومن هنا لاحظ النقاد التراجع المفزع للفن العربي الإسلامي على خلاف ما كان عليه الأمر في أوروبا من ازدهار كما لاحظوا ان الفنان المسلم حاول التعويض عن هذا النقص او الفراغ عبر العناية الفائقة بفن الخط والزخرفة فأبدع على مر القرون الطويلة من الحرمان أعمالا فنية غاية في الأهمية والإتقان والتنويع والجمال.
مع حلول القرن التاسع عشر الميلادي ومع بداية تنامي الوعي السياسي والديني والثقافي وظهور شخصيات إسلامية متفتحة لها ثقلها الاعتباري في المجتمع صدرت العديد من الفتاوى التي تبيع الرسم والنحت وسائر الفنون التشكيلية الأخرى وكان تركيز الفتاوى على النحت لأنه الأساس في موضوعة التحريم.
حيث أشاروا إلى أن الزمن الطويل قد أنهى أية مخاوف او محاذير كان المسلمون الأوائل يخشونها، وكانت دعوة هؤلاء العلماء الموضوعية والشجاعة وراء ازدهار من النحت وسائر الفنون الأخرى في البلدان العربية والإسلامية ولعل ظهور عمالقة من النحاتين في العراق مثل جواد سليم ومحمد غني حكمة وخالد الرحال وغيرهم وكذلك الحال في عموم البلدان العربية والإسلامية يعود الى موقف اولئك العلماء الأجلاء.
ملاحظة: أشار الزميل الصحفي قحطان جاسم جواد في مجلة (صوت الآخر) أن وزارة المالية العراقية ألغت درجة (نحات) من ملاكات الدولة لان هذا العنوان (حرام) مكتفية بعنوان (رسام) لأنه (حلال) حتى لو كان الفنان نحاتا فهو رسام وبدورها تبنت مصاهر دائــرة الفنــــون التشكيليـــة التابعة لوزارة الثقافة فتوى المالية وقررت إلغاء درجة نحات من جدولها الوظيفي لأنه حرام فألف مبارك للمالية والثقافة والعراق على هذا الانجاز العظيم!!.