ثمة في الحياة تصرف أو زلة لسان أو قول، يصدر من شخص او مجموعة ويتسم بقدر من الطرافة أو الفنطازية أو الغرابة .. فإذا ما ينتشر بين الناس بسرعة البرق، ويستحضرونه في حكاياتهم ومجالسهم وأحاديثهم، وقد يجري على ألسنتهم مجرى المثل، وتحضرني هنا حكاية وقعت أحداثها في مطلع العقد الستيني من القرن الماضي، ومفادها، أن فلاحا يدعى (جدوع) يسكن إحدى القرى البعيدة في محافظة ميسان، جاء إلى بغداد ذات يوم لأمر بالغ الضرورة، ولم يكن قد زارها من قبل، وصادف في أثناء صعوده حافلة نقل الركاب، أن تعرض احد الأشخاص إلى السرقة، فاخبر سائق الحافلة، الذي قام بغلق الأبواب في الحال، وتوجه مباشرة إلى اقرب مركز للشرطة، وهناك تم إيداع الركاب جميعا في (التوقيف) او الحجز إلى حين الانتهاء من التحقيقات ، وما هي إلا ساعة واحدة، حتى تم التوصل الى (النشال) والتعرف عليه من خلال المحفظة المسروقة ، وأحيل إلى المحكمة، في حين أطلق سراح الآخرين، وعندما عاد الفلاح إلى أهله وعشيرته، روى لهم حكايته بالكامل لأنها غريبة على مسامعهم، فقد جعلوا منها تاريخا لقريتهم، فإذا أرادوا أن يعرفوا ولادة احد أولادهم قالوا (جاء إلى الدنيا قبل حبسة جدوع بثلاث سنوات، أو بعد الحبسة بستة أشهر ) وهكذا سقط الثلج مثلا قبل (حبسة جدوع) او بعدها، ومات فلان او تزوج او بنى كوخه او سافر او اشترى بقرة، قبل (حبسة جدوع) او بعدها بكذا ، سنة او شهر ! وإذا كانت (حبسة جدوع) قد أصبحت بالنسبة الى القرية أشبه بالتاريخ الميلادي الذي اعتمده أولئك الناس البسطاء لتدوين أحداثهم ووقائعهم، فان هناك أفعالا ترسخ في الذاكرة، وترددها الناس لهذا السبب او ذاك، وليس بعيدا عن الذهن من شيوع حكاية اسمها (دجاجة صدام) تداولها العراقيون لسنوات طويلة من باب السخرية، ومفادها ان صدام حسين في سنة تعود إلى تسعينات القرن الماضي، خصص لكل عائلة عراقية دجاجة (برازيلية) من الدجاج المجمد، ولشهر واحد فقط ، أي أنها ليست حصة شهرية ثابتة، او مفردة من مفردات الحصة التموينية ،والأمر الطريف ان الإعلام بوسائله جميعها أقام الدنيا ولم يقعدها وهو يتحدث عن هذا التكريم السخي، والروح الأبوية التي يتحلى به الرئيس القائد، وهو يتفقد أبناء شعبه، وكانت الناس من باب الضحك والاستهزاء قد استعملت عبارة (مكرمة الريس) كما أرادت أن تسخر من تكريم تافه، ولهذا أصبحت الدجاجة وبالا عليه! كنت أتمنى لو يتسع مجال النشر لمزيد من الحكايات التي جرت على الألسن كما سبقت الإشارة مجرى المثل، خاصة وان عراق الأمس واليوم حافل بالعشرات منها، وليس فقط (حبسة جدوع) كما يمكـن ان نتوهم .. او (مكرمــة الريس) او (صخرة عبعوب ) !!
|