قبل أكثر من خمسين سنة، احتلت الفنانة المصرية الراحلة سامية جمال، مركز الصدارة في ميدان الرقص الشرقي الفاضح، الذي يقوم على العري وهز الوسط، وقد سحر جمالها الآسر، وابتسامتها المشرقة وجسدها الرشيق، عيون معجبيها، واخذ بقلوبهم، والأمر الطريف ان هذه الراقصة التي انشغلت بها مخيلة المراهقين وعقول الشيوخ على حد سواء، سئلت ذات مرة وهي في قمة تألقها ومجدها (ماذا تتمنى سامية جمال؟) ، ويمكن أن يرد على بالكم أي رد ، إلا الرد الذي جاء على لسانها ، حيث أجابت (لا أتمنى إلا الستر!!) ويبدو ان طلب الستر، والتستر على البلوى أمر اجتماعي مطلوب ، وله جذر شرعي ، فمن ابتلي مثلا بنوع من المرض او علة ما ، قد يكون الحديث عنها لا يخلو من حرج، فالأولى هو التكتم ، ومن ابتلي بلعب القمار او رهانات المقامرة او معاقرة الخمر فليلزم الصمت ويحتفظ ببلواه مع نفسه ، ولا يجعل منها حديث مجالسه ... ومعلوم ان الابتلاء يمكن ان يشمل الفرد مثلما يشمل الجماعة والدولة على حد سواء ، ولا احد يدري لماذا خرجت السياسة العراقية على هذه القاعدة ، فهي لم تكتف بعدم التستر على (ابتلاءاتها) ، بل راحت ترفع صوتها بكل ما أوتي من قوة ، مجاهرة بكل ابتلاء صغير او كبير ، كما لو أنها تباهي به وتفاخر ، فبدلا من التستر على الفساد المالي الذي نخر جسد الدولة ، أصبح الكلام عنه مسلسلا دراميا نتابع حلقاته كل يوم ، وكأنه بلا نهاية ، وأصبح تراشق التهم أشبه باللعبة المسلية خاصة على الفضائيات ، حتى أصيب الناس بالملل والقرف بعد ان باتت الأحاديث عنه اكبر من موضوع الفساد نفسه ، فما برئ منه مسؤول ولا وزير ولا نائب ولا مدير ، الا من رحم ربي ، واختلط الصدق بالكذب ، والحق بالباطل و .. وكان بالإمكان التستر على هذا الأمر ، وحصره في مواقعه وأوكاره ومعالجته بهدوء ، غير إننا فضلنا الفضيحة التي أمست بجلاجل واسمعنا القاصي والداني ومن لم يسمع ومن به صمم، وقل مثل هذا عن ابتلاءاتنا التي لا تحصى ولا تعد ، فلماذا أسفحنا قطرة الحياء ولم نحفظ ماء الوجه ؟ ولماذا نصر على نشر غسيلنا أمام عيون المارة ؟ هل هي علة في طبيعة تكويننا النفسي ام الفكري ام التربوي ام السياسي ؟ ام هي مشكلة الديمقراطية التي تدعو الى المجاهرة والمصارحة وكشف المستور ؟ وثمة الكثير الكثير من الأسئلة التي تقتضي إجابات مطولة واجتهادات عديدة ، لا يحتملها هذا الحيز المحدود من النشر ، ولكن الغريب في هذا كله إننا تسترنا الى حد الحياء والحرج في قضية لا تستوجب الحياء ولا الحرج ، وما زلنا نتحدث بلغة التستر على رئيس الجمهورية ، من ان الرجل عافاه الله وجعله من السالمين ، لم يتعرض الى ابتلاء يوجب التكتم ، فلماذا نخرج عن القاعدة ؟ ولماذا نسير عكس الاتجاه ونبحر ضد التيار البشري ؟!.
|