منذ سنوات بعيدة، والحقيبة الدبلوماسية لا تفارق يدي، لأنها بالنسبة لي ليست مظهرا، او ديكورا ثقافيا للتباهي، وإنما حاجة مهمة ، استعين بها على حمل أوراقي وجرائدي ونقودي ومفاتيح البيت وعلبة السجائر والولاعة والقلم وأقراص وجع الرأس وقطرة العين وعلبة بسكويت، وكنت استعين بها في سفراتي الى خارج بغداد، حيث أضع فيها ما خف حمله من ضروريات الملابس، ولهذا أصبحت مع الأيام جزءا من شخصيتي ، وبسبب هذه الملازمة والعلاقة والوطيدة ، كان صديقي الملعون فنان الكاريكاتير المبدع خضير الحميري يرسمني معها بطريقة ساخرة ، فيجعلني ارفعها فوق راسي ، كما لو كنت ارفع صينية بقلاوة!!. فجأة فقدت الحقيبة ، وبتعبير أدق ضاعت سهوا، وآية ذلك انني في الأسبوع الفائت عدت الى البيت عصرا، وإذا يدي خالية ، وقد جن جنوني ، وتمنيت لو أنني فقدت تلك المجموعة من اصدقائي التي تعبت أكفها بالأمس من التصفيق للدكتاتورية ، وتعبت اليوم اكثر من التصفيق للديمقراطية !! وكان لابد لي من اللجوء الى ذاكرتي لتجديد المكان الذي (نسيت) فيه حقيبتي يوم فقدانها المشؤوم، فقد صعدت (الكيا) مرتين للوصول الى جريدة المستقبل ، وفي الجريدة شربت القهوة الحلوة مع الزملاء، وزرت الصديق علي الدراجي وشربت عنده القهوة المرة، ومن مقر الصحيفة ذهبت الى شارع المتنبي، ومن هناك الى المقهى ولعبت (فرين) دومينو ، ثم ذهبت الى مطعم لبيع الفلافل وتناولت غدائي ، عدت بعدها الى المقهى وشربت قدحين من الشاي ، وقبل ان اعود الى البيت دخلت محلا لبيع الهدايا واشتريت لعبة أطفال لحفيدي ، بعد ان انتابني شعور في ذلك النهار إنني رجل ثري !! المهم ان جولتي كانت واسعة ، وفي واحدة من تلك الأماكن ، المركبة او الجريدة او المقهى او المطعم او المحل نسيت حقيبتي ، ومن الصعب تماما استذكار الجهة على وجه التحديد !. الأمر المحزن ان حقيبتي كانت تحتوي على أشياء بالغة الأهمية ولا تقدر بثمن منها صورة تذكارية نادرة ووحيدة تجمعني مع والدي ووالدتي وزوجتي (رحمهم الله) بعد عودتي من شهر العسل، ومنها مبلغ خمسين ألف دينار قدمه لي الصديق الدراجي بمناسبة بلوغي العام السبعين ربما هذا هو سبب شعوري بالثراء ، ومنها ثلاث مسودات لثلاث دراسات صرفت شهرا كاملا في انجازها ، تتناول الأولى مستقبل العراق المضيء ، والثانية أساليب المزاح بين أطراف العملية السياسية ، والثالثة حول الفروق التنازلية بين الدكتاتورية والديمقراطية ، ومن بين المحتويات المهمة جدا، ساعة جيب تراثية ورثتها عن جدي، وشجرة أسرتنا العريقة التي تنحدر من العرب العاربة، الى جانب كتاب صدر حديثا حول أصل الإنسان قبل ان يتحول الى انتهازي ، لذا أهيب بمن يعثر على حقيبتي ان يحتفظ بها ، وبمحتوياتها كاملة، مكافأ له ، مقابل ان يعيد لي مبلغ الخمسين ألف دينار !.
|