إذا استثنينا الأنظمة الفردية والدكتاتورية التي تصدر عنها قوانين وتشريعات لا تعنى بتقديم أعذار او مبررات او مسوغات لمثل هذه الإصدارات ، وإذا قدمت المسوغات لقوانينها وتشريعاتها ، فغالبا ما تكون هزيلة مضحكة، في حين تولي الأنظمة الديمقراطية ، والدول التي تحترم دستورها وقوانينها ، أهمية كبيرة لتقديم الأسباب الموجبة وراء صدور هذا التشريع او ذاك ، من اجل الوصول به الى قناعة شعبية ، لان الناس حين لا تقتنع بقانون او تشريع ، ولا ترى انه جاء لخدمتها ومصلحتها ، لا يمكن ان تتعاطف معه ، ولا يمكن وضعه موضع التطبيق الا بالقوة والإكراه ، وعادة ما يسعى المواطن الى عدم الالتزام به ، وانتهاز أية فرصة للخروج عليه او تخريبه ! لم أقف على تفسير واضح يسوغ الرواتب التقاعدية الفخمة لأعضاء البرلمان والوزراء و ... و ... ولعل الإيضاح الوحيد الذي طرح إعلاميا وليس رسميا ، هو لتوفير حصانة مالية ، وضمانة مستقبلية للمشمولين بها ، لكي لا يقعوا ضحية غواية او فساد مالي ، والأمر الذي يدعو الى التساؤل هنا ، إذا كان هذا القانون الغريب يوفر الحصانة ونظافة اليد والجيب للكبار ، وهم لا يمثلون أكثر من 2% من نسبة الموظفين فلماذا نترك 98% من دون حصانة ، ولماذا نفترض ان ملايين العاملين في قطاع الدولة محصنون بالفطرة ، وضمائرهم وجيوبهم وأيديهم وعيونهم ونفوسهم مجبولة من نور الملائكة ؟ ثم ما الذي ينقص (الكبار) بعد إحالتهم على التقاعد ؟ هل سيغادر احدهم الخدمة وهو من دون مركبة حديثة وقطعة ارض متميزة وسيولة نقدية يسيل لها اللعاب ، ان لم يكن جمعها بشطارته القانونية فإنها حاصل تحصيل امتيازاته ومخصصاته ورواتبه الضخمة طوال مدة وجوده في المنصب !!. ولكن الأدهى والأمر أن فكرة تحصين المسؤول الكبير (ماديا) لكي لا تزوغ عينه او يضعف أمام رشوة دسمة ، هو تشكيك مسبق في عفة المسؤول ونزاهته ، وحين يتوفر أدنى شك به ، او تحوم حول عفته أدنى شبهة فانه بمنطق الرياضيات وبالضرورة لا يصلح أساسا لتولي المسؤولية !. في سنة تعود الى (تسعينات) القرن الماضي ، أنها عقد الحصار والطحين المخلوط بالرمل ، وإنها سنوات حاجة وجوع ، كان فيها راتب الموظف يتراوح بين 3 آلاف إلى 5 آلاف دينار ، فيما كان سعر كيلو اللحم (7) آلاف دينار ، في تلك السنة التي لا استحضر رقمها ، ولكنها تنتمي إلى العقد التسعيني ، أمر صدام حسين بصرف مبلغ (6) ملايين دينار ، للوزراء وأعضاء القيادة القطرية لحزب البعث ، وأعضاء مجلس قيادة الثورة ، وقد تولت جريدة الوقائع العراقية نشر الموضوع بنسخ محدودة التداول جدا !. الغريب في هذا القرار الصدامي ، قبل ان يكون مريبا ومدعاة للضحك والوجع ، ان مسوغات القرار قالت بالنص الحرفي (لتحسين أوضاعهم المعيشية) فإذا كانت بساتين عزة الدوري تحتاج الى تحسين أوضاعها المعيشية ، فماذا تحتاج أوضاع الموظف حسين او عبد الله او عمر ؟! ولكن يبدو أن الكبار محظوظون في العصور كلها ، وان أولاد الخايبة دائما هم من يدفع الثمن !!.
|