أصغرنا عمرا جاوز الستين ، هؤلاء هم نحن ، مجموعة (شياب) عابرين لوباء الطائفية والتعصب القومي ، تجمعنا في مقهى الطرف هموم التقاعد والشيخوخة والأمراض المزمنة ، أحاديثنا مشرعة الأبواب ، من الطقس والمطر والنسوان الى الدنيا التي تمشي بالمقلوب ولا تقوم القيامة ، وكنا في ذلك كله مغمورين بنكهة الشاي المهيل وفناجين القهوة! جرى الكلام ذات ليلة حول (الكرم) وقد أشار زميلنا يوسف بطرس، الى انه مفهوم عائم وفضفاض ، وعلق الحاج ابو صالح (نحن نتحدث عن ظاهرة لم يعد لديها وجود) ، ورأى دلير فقي ، ان الكرم قاسم مشترك بين الشعوب ، اما انا فقلت : ليست هناك شعوب بخيلة وأخرى كريمة ، هذه بدعة هناك أفراد كرماء وأفراد بخلاء ، واستشهد صاحبنا ابو ليلى بالحديث النبوي الشريف حول منزلة الكريم من الجنة وموقع البخيل من النار ، غير ان الذي تصدر الحوار هو زميلنا ابو علاء الخالدي ، فقد كان الرجل بخلافنا يمتلك الكثير من الحكايا والمعلومات التي نجهل معظمها ، ولكنه كان يتحدث عن الكرم العربي تحديدا ، وقد استغرب اغلبنا من ذلك الكرم الغريب ، بحيث أبديت تحفظي على الكثير من الحكايا ، ورأيت انها من وضع الرواة بينما قال صاحبنا ابو غلام : ان العرب لم يكونوا كرماء ، بل كانوا غير عقلانيين في التبذير وإنفاق ثرواتهم بصورة عبثية ، ولكن زميلنا كمال الجبوري رد عليه منفعلا ، لقد فاتك على ما يبدوا ان العربي ابن صحراء ، والصحراء فضاء لا حدود له ولذلك علمت ساكنيها حرية مطلقة وكرما مطلقا وصبرا مطلقا ، بدوري علقت : اذا كانت الصحراء كذلك ـ وهو على الأرجح أمر صحيح ـ فهذا يعني ان سكان الصحارى في العالم جميعها على هذه الشاكلة ، وتساءل دلير فقي وماذا يمكن ان نقول عن سكان الجبل ؟ أجبته لأغراض الدعاية : اطمئن حبيبي .. الكرد اكرمنا جميعا ! وضحكنا فيما علق يوسف بطرس : الكل كرماء .. اما البخلاء الوحيدون فهم أهل المدن !! وضحكنا من جديد على الملاحظة التي أبداها كمال الجبوري يعني اننا أصحاب هذا المجلس بخلاء من دون استثناء فجميعنا من أهل المدينة !!. وهنا تدخل ابو علاء الخالدي قائلا .. دعونا يا جماعة لا نخرج عن الموضوع وإلا سنضيع ، انا شخصيا اعتقد ، ان الكرم مثل الشجاعة والرجولة والمروءة والشهامة .. الخ صفات حميدة لا يذم حاملها او من اتصف بها ، وكلما ارتفعت مناسيب هذه الصفات كان ذلك امرا حسنا يحسب لصاحبه ، ثم لماذا نعترض على المكونات الشخصية التي يتميز بها كل شعب من الشعوب ، وهي من نتاج وضعه البيئي او الاقتصادي او الديني ابن الهور مثلا يولد صيادا ، وابن الريف مزارعا وابن البادية حاد البصر وابن ... وقاطعة الحاج صالح : وابن الحكومة يولد بالفطرة لصا !! وضج المكان بالضحك ، وعلق الخالدي على كلامه بالمناسبة فان الحكومة توصف بالبخل دائما ، ولكنها تصاب بنوبات كرم هستيرية ولذلك فان كرمها (مؤقت) وله زمن معلوم ، يأتي كل 4 سنوات قبل موعد الانتخابات بستة أشهر !! أدهشتنا تلك المعلومة مع أنها واضحة وضوح الشمس !!.
|