حمادة العسكري ، رجل جاوز الخمسين ، اسمه (احمد) ، ومن باب الدلع والمحبة نناديه (حماده) او (حمودي) ، اما لقب (العسكري) فقد ابتكره ابناء المحلة لان الرجل بعد تعرضه الى اصابة خطرة في الحرب العراقية الايرانية لازمته حالة غريبة ، هي خليط من الوهم والكذب والخيال ، كان يشعر معها بالمتعة ، ويمتعنا في الوقت نفسه ، ولذلك لم نكن ننظر اليه على انه انسان كذاب او معتوه ، بل هو تركيبه خاصة افرزتها الحرب تستحق التعاطف. حدثنا مرة انه في اثناء خدمته العسكرية ، وكان مسؤولا عن احد الفيالق ، وهو برتبة فريق ركن (الرج يدري اننا ندري ، انه كان نائب عريف في الجيش العراقي) وقد حدثت معركة عنيفة مع العدو ، فدخلت والحديث له (مع افراد حمايتي فقط ... وعددنا (40) مقاتلا ، الى قلب المعركة ، وكان جنود العدو قرابة (5) الاف ، وامرت ضباط فيلقي ان لا يتدخلوا الا اذا طلب مساعدتهم ، وفجاة (وقعت) مع افراد حمايتي في كمين للعدو ، وكدنا نصبح اسرى ، وكان جنودي على وشك ان يرفعوا ايديهم ويعلنوا الاستسلام ، لولا انني طبقت خطة عسكرية يجري تدريسها حاليا في معاهد اوروبا العسكرية، استطعنا بواسطتها قتل مئة فرد منهم ، واسر مئة اخرين ، فيما لاذت البقية الباقية منهم بالفرار ، ولم يتعرض احد من افراد حمايتي الى الاذى باستثناء مقاتل واحد اصيب بجرح طفيف في ابهام قدمه اليمنى ، وهكذا انتهت المعركة ورجعت الى مقر قيادة الفيلق مع الاسرى !) كان يتحدث بحماسة ويصف اجواء المعركة بلسانه وحركات يديه وجسمه وهو يدرك جيدا اننا لم نصدق حرفا واحدا من روايته ، الا انه كان مستمتعا لكونه لفت انظارنا الى بطولاته الوهمية ، وقدم لنا متعة مجانية على طبق من ذهب !!. لعل من بين احلى واطرف حكاياته الفنطازية هي التي زعم فيها ، ان صدام حسين دعاه يوما الى وجبة غداء في الحبانية ، وبعد الانتهاء من الطعام نزلا معا الى السباحة وبينما نحن كذلك ـ والكلام على لسانه ـ (شعر الرئيس بالاعياء وغرق ، فنزلت تحته ووضعته فوق كتفي وانا تحت الماء وانقذته ولكنني غرقت وقد قامت حمايته وفرقة الانقاذ بالبحث عني ، ولم يعثروا على جثتي ، وفي اليوم السابع على وفاتي ، كرم الرئيس عائلتي بمبلغ مئة مليون دينار !) ومن قبيل الملاطفة سأله احدنا (حمودي ... لعد شلون انت عايش هسه وتسولف ويانه ؟!) فرد عليه في الحال (صحيح اني كنت ميت .. بس من سمعت بمبلغ التكريم رجعت لي الروح !) ، ولم نتمالك انفسنا من الضحك ، وهو صامت ولكنه في قمة الانتشاء ، ربما لانه كان يصدق اكاذيبه !!. الحقيقة لا ارى اية مخاطر تذكر من هذه المبالغات الغريبة والاكاذيب المفضوحة ما دامت لاغراض التسلية والامتاع ، وصاحبها لا يوظفها لاغراض الغش او الخداع ، او التحايل وما دامت تصــــــدر عن اناس بسطاء كنائب لعريف حمادة وامثاله ، ولكن الخوف كل الخوف والحذر منها كل الحذر ، لو صدرت عن راس كبير ، او زعيم سياسي ، او قائد عسكري رفيع المستوى ، لانها لا تدعوك الى الضحك ، بل تحاول الضحك عليك .
|