اعرف جيدا ان صدام حسين وحكومته ووزراء أعلامه وثقافته ، لم يرغموا أديبا او إعلاميا من (المستقلين)، على تمجيد (الرئيس او حزبه او ثورته) او انجاز عمل فني او أدبي يخلد (بطولاتهم) ، ولكن الشلة الصدامية تبنت أسلوبا شيطانيا ذكيا، عندما لجأت (الى الوجع المعيشي) للإعلاميين والمبدعين واستطاعت ان تسحبهم ـ الا من رحم ربي ـ وبإرادتهم الى مائدتها الشهية ، ففي ظرف كان فيه سعر الحذاء الاعتيادي (8) آلاف دينار لم تكن رواتبهم تزيد على (5) آلاف دينار في المعدل الوسط ، ولكي تمرر الشلة مخططها الشيطاني، كانت هناك 3 منافذ (صدام + ديوان الرئاسة + الوزارة) تنثر على المبدعين والإعلاميين المحسوبين على النظام مئات الآلاف من الدنانير والأراضي والمركبات حتى نشأت شريحة من أثرياء التكريمات امتلكت القصور والمزارع ، وحقوق الايفادات والسهرات الليلية ، في وقت يتفرج فيه زملاؤهم المعتصمون بالصمت ونقاوة الضمير على ما يجري حولهم، وهم يستحضرون احتياجات نسائهم الى قلم حمرة وأولادهم الى (دشداشة) عيد، فلا يقدرون عليها وإذا كان بمقدور الواحد منهم ان يصمد شهرا او عاما او عامين فليس بمقدوره ان يصمد العمر كله وهكذا دفعت الحاجة أعدادا كبيرة الى (محرقة المدائح) مكرهة مضطرة ولعل سياسة (الإغراء والاستدراج) مثلت الوجه الأشد قبحا لإسقاط المبدعين والأسوأ في تغيير مسارات الإبداع العراقي!. واعرف جيدا ان حكومات ما بعد 2003، لم تساند الفساد الذي استشرى في جسد الدولة العراقية أسرع من استشراء الخلايا السرطانية حتى بات الاستئصال متعذرا ، او تقف الى جانبه ولكنها بالمقابل أمضت سنوات خدمتها وهي نائمة عن المال المسروق بغطاء قانوني ،نومة العرائس، ولم تكلف نفسها وتغادر فراشها الناعم، كي ترى عورة القانون الفاضحة وأوكلت المهمة الى مفتشين عامين وهيأة نزاهة ولجنة نزاهة وشعبة نزاهة ومفوضية نزاهة و .. ويوم تلقي النزاهة القبض على (السارق او المزور او المرتشي) بالجرم المشهود لا تعاقب الحكومة السارق ولا تقول له (على عينك حاجب) وأقصى إجراء تتخذه بحقه هو ان يعيد مال الشعب المسروق الى الخزينة ، وربما يتم نقله من مكانه الى مكان آخر ، قد يكون أفضل !! أما الغالب الأعم فهو ان يهرب السارق (او يهرب) بضم ياء الفعل او تجري عملية طمطمة للقضية ، وسرعان ما تنسى في ظروف عابقة بمئات الفضائح تساعد على النسيان !. من هنا فأن الحديث عن مشروع عمراني او صفقة سلاح او مقعد وزاري او عقد نفطي او استيراد بضاعة ... بات حديثا محاطا بالشبهة لان الفساد (تشرعن) وسرى عموديا وأفقيا ولذلك قد يقاوم الموظف النزيه شهرا او عاما ، ولكنه لن يصمد طول العمر وهو يرى زميله الحرامي يشتري ثالث دار سكنية بينما يعاني هو من أزمة الإيجار ، فلماذا لا يمد يده ولماذا يكون ملاكا في عصر الشياطين، وبناء عليه ، فان سياسة الطمطمة والسكوت وغض النظر ، تمثل الوجه الأشد قبحا لإسقاط النزيه ، والأسوأ تأثيرا في تغيير مسارات العفة العراقية ... فما أشبه اليوم بالبارحة وان تغيرت الأسماء والعناوين !!.
|