ـ 2 ـ اشرت في الحلقة السابقة الى امر (عدي صدام) نقيب الصحفيين، رئيس اللجنة الاولمبية بوجوب حضوري الى مقر النقابة في الساعة السابعة مساء من يوم التبليغ نفسه ، من دون ان اعرف او يعرف زملائي في مجلة «الف باء» سببا للاستدعاء وكيف عشت ساعات من القلق النفسي المدمر ، لان هناك مئات الاحتمالات احلاها مر !!. في الموعد المحدد كنت في مقر نقابة الصحفيين ، كل شيء هاديء ، و (الاستاذ الفاضل) غير موجود ، استقبلني نائبه او بالاحرى ممثلة ، الزميل عباس الجنابي، بالاحضان والقبل (كان الرجل صديقا قديما ، تعود علاقتي به الى عام 1976، يوم عملنا معا في جريدة العراق ، وقد دخل بيتي وشاركني الزاد والملح وكنت ـ حتى بعــــد ان بات الاخرون يخاطبونه بعبارة استاذ عباس ادعوه عبوسي من باب التحبب والدلال) !. اصطحبني الجنابي الى احدى غرف النقابة، ووجدت امامي مجموعة زملاء هم على ما يحضرني الان، مظهر عارف، وداوود الفرحان، وهاشم حسن، وعز الدين المانع، اغلق زميلنا عباس باب الغرفة ، ورحب بالجميع ، ثم ابلغنا وهو يقسم ، ان الاستاذ الفاضل طاب نماذج لكتاب المقاولات والاعمدة في العراق ، وبعد اطلاعه عليها اختاركم انتم بالذات لمهمة يتمناها اي صحفي ، وهي ان تكتبوا (افتتاحيات) جريدة بابل، كل يوم يتولى كتابتها واحد منكم، اي مرة واحدة في الاسبوع، فقط على كل زميل من الزملاء وواصل كلامه : والاستاذ الفاضل يقول لكم لا توجد خطوط حمر في بابل ، حاسبوا اي مسؤول في الحزب او الدولة ، انقذوا عزة الدوري وطارق عزيز، في بابل لا احد يخيفنا او يفرض سطوته علينا ، وليست هناك (لحية مسرحه) او مجاملة ، ويؤكد لكم انه سيكون (ظهركم) وحاميكم !!. في ذلك المساء كنت (اعقل) انسان في حياتي، وتحولت الى رجل حكيم ، وفكرت بحجم المصداقية التي يتحلى بها عدي ، وهل سيقف الى جانبي ام الى جانب الدوري او عزيز لو تجرأت وحاسبت او نقدت احدا منهما ؟ وهل سيكون ظهري حقا لو (تحارشت) في احدى مقالاتي بحماية مزبان خضر هادي مثلا ؟ قادتني الحكمة في تلك الامسية الى ان (نجل القائد) ينصب لنا فخرا ، ويود توريطنا وانه اول من يتخلى عنا لو اصابتنا مصيبة من السلطة او احد رموزها الكبيرة في اعماقي كنت سعيدا بتلك الحرية المطلقة التي نقلها الجنابي على لسان عدي ، فبدلا من اعتماد مقالاتي على لغة الرمز والتخفــي وراء السطور ، استطيع الكتابة كما اريد واشفي غليلـــي ، ولكن الواقع شيء ، واعماقي شيء اخر !!. المهم في تلك اللحظات المشحونة بالصراع الداخلي هو كيفية التخلص من تلك الورطة ، والهرب من جنة بابل ، ولان علاقتي وطيدة بصديقي عباس ، فقد شعرت بقدر كبير من الشجاعة (المكتسبة) ومن الاطمئنان، وطلبت الاذن بالحديث ، واخبرته انني اعتذر عن هذه المهمة ، لان صحتي ليست على ما يرام ، ولكوني اكتب في اربع صحف وليس بمقدوري ان اكتب المزيد ، وليتني لم امتلك الشجاعة فقد (عاط) الجنابي في الحال عيطة مدوية (حسن العاني .. امر الاستاذ ينفذ ، وعليك ان تترك كل اماكن الكتابة الاخرى) الامر الذي جرحني جرحا لا يندمل لان العيطة صدرت من صديقي الذي اناديه تدليلا وتحببا (عبوسي) ، ولزمت الصمت وكان علي ان اكتب .. فماذا كتبت؟ للحديث صلة ..
|