أشرت في الحلقة السابقة إلى أنني لم اكتب في حياتي مقالات سيئة ، لا طعم لها ولا رائحة كتلك المقالات التي نشرتها في جريدة بابل ، والتي حلت محل افتتاحية الجريدة ، كما نوهت الى ان عدي طلب مني كتابة مقالات ساخنة (قوية) على طريقتي النقدية وأسلوبي الساخر الذي اكتب به في المطبوعات الأخرى ، وعندما كتبت أول افتتاحية ساخنة ، أعادها لي مع مندوبة (ما زلت احتفظ بها) وهو يقول (موها الثخن) !!. كما فهم عدي ـ الذي لم التق به في أثناء نشر مقالاتي في بابل ، حتى أنني لم اعرف مكانها يشهد الله، لان صديقي وأستاذي الدكتور هاشم حسن كان يتولى مشكورا إيصال مقالاتي ـ أقول : كان فهم عدي يحتاج الى قارئ كف ، والعمل مع مزاجه نوع من المغامرة لا يقدم عليها إلا مجنون ، ولهذا ما شغل ذهني شيء في تلك الأيام العصيبة إلا الهروب من (جنة بابل) الى أي جحيم ، البقاء في الجريدة مصيبة حقيقية ، والمغادرة ممنوعة وقد تقود الى مصيبة أعظم .. فما الحل ؟ المؤامرة !! لا سبيل أمامي هي سواها ، ولكن المؤامرة على مراهق مثل عدي له عين وأتباع ومنافقون في كل مكان ، تقتضي مزيدا من الحذر ، والتحوط لكل صغيرة وكبيرة ولأي احتمال وان كان ضئيل الشأن .. وبدأت أتهيأ لعملية ، تآمر تكون نتيجتها الهروب من ذلك السجن النفسي المروع ، ووجدت ضالتي، رجلا جميلا أثق به أكثر مما أثق بأولادي ، واعتمد على أخلاقه النبيلة في المواقف الصعبة !. هذا الرجل النبيل يدعى (أمير الحلو) ، رئيس تحرير المجلة التي اعمل فيها (الف باء) زميلا وصديقا ومؤتمنا وشجاعا و .. ولا يبخل في مد يد العون حيث وجد الى ذلك سبيلا .. وهكذا زرته في مكتبه .. وأغلقت باب الغرفة ورائي ، وحدثته بالتفصيل الممل عن معاناتي ، وصعوبة التعامل مع الجريدة التي يتربع نجل القائد على عرشها ، واقترحت عليه ان يساعدني في نشر مادة صحفية ضمن زاويتي التي تصدر في المجلة تحت عنوان (وما خفي ..) وهذه المادة أعلن فيها اعتزالي العمل الصحفي بصورة نهائية ، والتوقف عن كتابة عمودي الأسبوعي في (ألف باء) حتى اتخذ من الاعتزال ذريعة للانسحاب من بابل !!. على عهدي به ، لم يرفض الرجل طلبي ، وان الأمر سيبقى سرا بيننا ، وابقى أمارس عملي في المجلة (باستثناء الكتابة) إلى أن تهدأ الأمور بعد أربعة أشهر او خمسة او أكثر ، وهكذا كتبت مقالة تحت عنوان (رسالة اعتزال) بحجم صفحة كاملة ونشرتها المجلة في المكان المخصص لزاويتي ، واتصلت بمندوب عدي وأبلغته قرار اعتزالي مع الاعتذار عن مواصلة الكتابة في بابل ، وتوقفت فعلا عن الكتابة والنشر في بابل وألف باء ، وجريدة العراق ومجلة الشباب وإحدى صحف القطاع الخاص لا يحضرني اسمها ، ومرت المؤامرة بسلام ، وخسرت بالطبع أجوري في المطبوعات التي اعمل فيها ، ولكنني نجحت نجاحا باهرا في طرد نفسي من جنة بابل !!.
|