ثمة الكثير من المفارقات استوقفتني وأنا أشاهد ملصقات وصور الدعاية الانتخابية ، في مقدمتها تلك الفوضى العارمة والتزاحم على أعمدة الكهرباء والساحات والجدران والجزرات الوسطية ، وهو الأمر الذي أضفى مزيدا من الإرباك والتشويه على وجه بغداد الذي أربكته العوازل الكونكريتية ، وشوهته الأسلاك الشائكة والسونارات ونقاط السيطرة ، غير ان هذه الفوضى التي لم تجد من يوقفها عند حدها ، وينظمها بطريقة حضارية لا تمس جمال العاصمة ، قد تكون اخف أذى على الوضع النفسي للمواطن ، وهو يرى (بوزات) المرشحين وابتساماتهم العريضة، لان أصعب ما يوجع العراقي انه يبكي لمئة سبب وسبب ، فما من بيت ـ إلا بيوت الخضراء وما يتصل بها من حسب الحزبية او نسب المسؤولية ـ لم يمسسه جوع او رحيل شهيد او غياب مفقود او هجرة عزيز او تهجير عن منزل او فقر او بطالة او .. فكيف يتسنى للمرشح ان يبتسم مثل هذه الابتسامة وشعبه يذرف الدمع ؟ ترى هل يضحك من تعاسة الناس، ام .. ام انه يضحك من دون سبب ؟ ! . ومن بين أشياء كثيرة استوقفتني في (صور) المرشحين ، انها عكست شريحة من المجتمع تجمعها مواصفات موحدة لم تحدث مصادفة لكونها تعبيرا عن طبيعة هذه الطبقة السياسية ، حيث لا يصعب ملاحظة الأجسام المتعافية والخدود الوردية والملابس المستوردة وعلامات الترف والنغنغة ، هل رأى احدكم مرشحا تلوح في عينيه أمراض فقر الدم او (ابو صفار) او متاعب البطالة او بؤس البطاقة التموينية ، ام ان معاناتهم كثرة اللحوم وداء الملوك والكراسي الدوارة ؟ هل تعرفون بين المرشحين مرشحا واحدا بات ليلته جائعا او ركب (الكيا) او سكن في حي شعبي او شرب ماء الإسالة او أكل رز التموينية ؟ صورهم (الا من رحم ربي واعتصم بالعروة الوثقى) تقول انهم من سلالة غير سلالتنا ، ومع ذلك كنت وأنا أراقب الحملة الدعائية ، وأقول : هذه هي حال الدنيا في العراق منذ العثمانيين الى البريطانيين الى الاميركان الى احفادهم ، وهذا هو قدر المواطن ، ولكن الذي اضحكني في المشهد كله ـ وشر البلية ما يضحك ـ ان هذا المرشح او ذاك ، عمد الى تصوير نفسه مع رئيس قائمته ، اما تملقا ، او طلبا للبركة ، او طمعا ان يذكره بغنيمة (لو فاز) عند توزيع الغنائم ، او قناعة منه ان قائده المفدى محبوب عند الناس واتى بالعجائب ، وبالتالي قد ينتخبونه اكراما لزعيمه ، وما فات على هؤلاء المرشحين الذين لا يثقون بأنفسهم او صورهم ، ان 90% من مصائب البلد ، يتحمل مسؤوليتها هؤلاء الزعماء والقادة ، وان الناس تسعى الى التخلص منهم وتغييرهم بالأصابع البنفسجية وصناديق الاقتراع !!.
|