أدرك أن لحظة تأشير الناخب للمرشح البرلماني تعبر عن خلاصة التربية والأفكار والدوافع الدفينة وكل معالم الشخصية ..فالمواطن قد يتحدث عن الكفء والنزيه ,وغير الطائفي ومن لديه الاستعداد للعمل والتضحية ...ولكنه عندما يقف لوحده أمام الصندوق الانتخابي ستحضر خلاصة شخصيته لتؤشر له مرشحه ...مناقضا كل أحاديثه وطروحاته ومنطقه الناضج والمسؤول ..كما لو انه خارج الوقت والموقف والمسؤولية...كأنه في اللحظة الخاصة ...فيختار لاعتبار طائفي او عشائري او مناطقي او اي اعتبار منفصل عن شعاراته وادعاءاته ..وليلتحق مرشحه الفائز بطابور الفاسدين وعديمي الخبرة والكفاءة ...والوطنية...ومن هنا يمكن البحث عن جذر ومكمن سر المجتمعات والشعوب ..وعن معنى (كيفما تكونوا يولى عليكم) ...وبان البشر إنما يقترفون السياسة التي يستحقونها ويأتون بالحكام الذين يناسبونهم ..وبما يعني ان الدرس بالغ البطء ,وقد يستغرق عقودا كثيرة ,خصوصا مع المجتمعات المتخلفة ...وهذا ما تجاوزته المجتمعات المتقدمة التي الفت واعتادت فتح عيونها وتستقرئ الواقع والكتب ونتائج الفكر والثقافة ..كما توحد الإنسان فيها مع نفسه ..فيقول ويفعل ويتصرف دون ازدواجية ..فما يقوله يفعله ...بينما يتكشف المتخلف ,بلحظة,عن كائن قطيعي ..وينظم الى الطائفة والقومية والمنطقة ببالغ السهولة والتلقائية ..ولا يجد لرأيه ولخياره ولتِأشيره لمرشحه أية أهمية سوى أهمية انخراطه في القطيع ... بالثرثرات والأحاديث والآراء في الهواء فان الجميع ينشدون في المرشح الموهبة السياسية بدءا بالقلب الذي يتسع لكل مواطنيه ,ويعني الاتساع لكل الإنسان ...ويعني القدرة على التوفيق بين المشارب والمصالح والاتجاهات المختلفة ,وان يدين بمبدأ المواطنة معيارا للنظر الى العراقي ..وسيضاعف المرشح رصيده ان تمتع بالثقافة والاهتمامات الجميلة والراقية ...ولا يقل أهمية الا يكون فقير جاه ونفس, وإلا كان مقرفا ومشروع مستبد ثم مشروع فاسد ...ويتحسس نفسه بممارسة السلطة ويشبع جوعه بغير المشروع ... من حق الناخب ان يعترف أحيانا بعدم معرفته بتفاصيل شخصية المرشح ...فهل يتحرى عن الانطباع العام الذي تركه المرشح في وسطه الاجتماعي ؟؟؟ ان شخصية المرء لا يمكن اخفاؤها وطمسها ,ولا يمكن تزويرها وافتعالها سريعا ..والسمات العامة واتجاهات الشخصية قد تتجلى للخبير بعينة بسيطة ...عينة مختبر ..تقدم تقريرا عن كل خواص المرشح ...على ان الحريص سيجهد نفسه من اجل امر شرعي ووطني ..ولا يستسلم ,بوعي وبدونه لمؤثرات دفينة في نفسه ولا يثب أمام الصندوق لينظم للقطيع .. ربما يعتم الأفق أحيانا ...إنما نقطة البداية ان يكون مثقفا وواعيا وبلا عقد وأمراض يريد لها حلا في المنصب... والمهم ان الحظوظ تحالف من يعلي مبدأ المواطنة.
|