ان لم تخذلني الذاكرة فهي حكومة الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم، وانه على الارجح وزير الزراعة في تلك الحكومة ، وما هو مؤكد عندي ان احد المدراء العامين في وزارة الزراعة ، حاصل على شهادة الدكتوراه في ميدان تخصصه الزراعي ، وشارك في اربع دورات في خارج العراق ، وكان على قدر كبير من الذكاء ، والقدرات العلمية، ولم يكن تكنوقراط فقط وكفاءة مهنية مرموقة بل كان كذلك عنوانا للإخلاص والجد في عمله ، حتى ان المنتسبين وفي مقدمتهم الوزير ، كانوا يطلبون مشورته في الصغيرة والكبيرة ، وهو لا يتوانى عن تقديم علمه وخبرته المتراكمة ، ولذلك أطلقوا عليه من باب التحبب والملاطفة لقب (حلال المشاكل) !أمضى الرجل 41 سنة في الخدمة، وبلغ السن القانونية للإحالة على التقاعد منذ ثلاث سنوات ، لولا رجاء الوزير الشخصي وإلحاحه على تمديد بقائه وها هي الوزارة تقيم له حفلا توديعيا فخما ويقوم الوزير بتقديم هدية ثمينة له مع كتاب شكر يفيض بالمحبة والعرفان بالجميل ، مع إطلاق اسمه على قاعة الاجتماع الرئيسة ، ولكي تسير الأمور في غيابه الى حين ايجاد البديل ، فقد تولى احد المدراء العامين منصب الرجل المتقاعد (وكالة) على مدى ثلاثة أسابيع، ولم يكن الوزير ينزعج من شيء، قدر انزعاجه من (الوكالة)، لإدراكه ان من الصعوبة بمكان ان يتولى موظف واحد ادارة العمل في مكانين، واحد المكانين خارج اختصاصه، ولابد كما كان يردد من ظهور تلكؤ هنا او تقصير هناك!. ابلغ الوزير ( الملاك القيادي) في الوزارة ، ان هناك اجتماعا سيعقد بعد ثلاثة ايام، وطلب منهم التفكير على مهل بمدير عام بديل يمكن ان ينهض بأعباء المديرية ذات لاختصاص الفني البحث بصورة (مقبولة)، وكانت دعوته واضحة ، وهي ترشيح مدير عام بالحدود الممكنة من المواصفات العلمية والفنية ، وفي الموعد المحدد، ترأس الرجل الاجتماع الموسع بحضور خمسين موظفا وموظفة من كبار مسؤولي الوزارة وملاكها القيادي، وبدأ كل واحد يطرح اسم المرشح الذي يعتقد انه الأنسب لإشغال المنصب الشاغر، ومع كل اسم يطرح للترشيح، تعرض معه الاسباب الموجبة كالشهادة العلمية والكفاءة وعدد سنوات الخدمة، والدورات التي شارك فيها، ونوعية الخبرة المكتسبة ومدى اخلاصه الخ ! في خضم الحوارات والمناقشات ومفاضلات الترشيح، اقترح احد الحاضرين ترشيح السيدة (فلانه الفلاني) وهي بعنوان (مدير ادارة)، وقد استغرب الوزير من ترشيح موظفة (ادارية) لشغل منصب (فني)، واستفسر عن سبب هذا الاختيار، رد عليه صاحب المقترح ( معالي الوزير.. صحيح ان السيدة المذكورة ادارية وليست فنية، ولكنها موظفة مؤمنة وتصوم وتصلي واهم شيء انها حجية )، أسكتت الدهشة الوزير ، قبل ان يلتفت الى مقرر الاجتماع ويقول له (قررنا تعيين ام الوزير المدعوة فاطمة سلمان مديرا عاما لأنها تصوم وتصلي وتزكي ونزيهة ومؤمنة وذهبت للحج اربع مرات) !! وغادر الاجتماع منزعجا! ترى ماذا كان الوزير سيقول عن دولتنا اليوم بعد ان اصبحت دولة (حجاج) وليست دولة (كفاءات) ؟!
|