اعتقد أن مفردة (التسقيط) المتداولة في القاموس السياسي، تعني بصورة او أخرى (المنافسة غير المشروعة) ، والمتداولة في عموم الأنشطة الأخرى، غير ان الدلالة اللغوية في التسقيط ، تتضمن قدرا اكبر من السلبية والمباشرة العامية وقلة التهذيب اللفظي ، ربما لأنها تناسب السياسة مع الأسف، وكأن السياسة باتت جذاما ، وإلا فأن المصطلحين كليهما يمارسان أساليب لا أخلاقية وخارجة على القانون !!. الأمر الغريب، أن تعريف السياسة واحد في الشرق والغرب ، والبر والبحر ، ولكن التطبيق يتباين تباينا حادا ، فلو أخذنا على سبيل المثال الممارسة الانتخابية في البلدان التي ترفع شعار الديمقراطية ، لاكتشفنا ان الخيمة السياسية التي تنضوي الانتخابات تحتها تعبر عن نفسها هنا بطريقة تختلف عن تعبيرها هناك .. ففي أميركا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وغيرها من البلدان الديمقراطية ، تتم عملية (تسقيط) الآخر ، بطريقة مغايرة عن تسقطيه في بلد آخر يدين كذلك بالديمقراطية ، ويتحدث عنها 25 ساعة في اليوم ! المرشح الأوربي بالتأكيد على الكثير من وسائل الدعاية والإعلان والدعم ، ويقوم بزيارات ميدانية للمدن ، ويخطب بين أنصاره ، ويحضر مناظرات مباشرة مع (خصمه) عبر التلفزيون وجها لوجه ، ولكن اعتماده الأساس على (برنامجه) فهو ورقته التي يراهن عليها ، ماذا يريد ان يحقق على مستوى الداخل والخارج، وبأي شيء يعد ناخبيه ، ولعل قوة برنامجه وتوازنه ومقبوليته ، هي الطريقة المثالية التقليدية لإسقاط (الخصم) ، أي أن هناك صراع برامج ، ولم يحصل ان تبادل المتصارعون تهما شخصية ، واعنف شتيمة يمكن ان يوجهها المرشح لخصمه على المستوى الشخصي ، انه ضعيف الإرادة مثلا او غير كفوء ، من دون ان يفوتنا التذكير ، ان البرنامج الانتخابي ليس وثيقة وعود وردية ، بل هو وثيقة ملزمة لصاحبها، وعدم تنفيذها هو السقوط المستقبلي الأكبر ! في الديمقراطية العراقية ـ كما لمستا عبر التجربة ـ لا عرقة للتنافس بين المرشحين بالبرامج من قريب او بعيد ، لان عمليتنا الانتخابية تقوم على مبدأ (التسقيط الشخصي الكلي) بصورة مباشرة ، وبالوجه الأكثر سوء وسلبية ، فهناك تهم متبادلة من الوزن الثقيل ( إرهاب ، دكتاتورية ، انتماء الى البعث ، تفرد بالقرار ، رشوة ، فساد مالي ، كذب ... وصولا الى تهمة الخيانة العظمى) ، ولو أخذنا هذه التهم على محمل (الدعاية الانتخابية المضادة) فإنها تنم عن خداع الناخب وإيهامه ، والنيل من شرف الخصم ، أما إذا أخذناها على محمل الجد ، فأن مرشحينا في غالبيتهم العظمى ، يجب ان يحالوا إلى القضاء بدلا من الفوز بمقاعد برلمانية ، او مناصب حكومية ، من دون ان يفوتنا التذكير ، ان برامجنا الانتخابية تكاد تكون مستنسخة عن بعضها ، وكلها وعود وردية ، لأنها ليست وثائق ملزمة أمام احد ، قدر كونها وثائق للضحك على ذقون الناخبين !!.
|