خمسة عقود بالتمام والكمال ، وانا احمل فأسي في عالم الصحافة، احرث وابذر واسقي واحصد ، واخطأ وأصيب، ولكن الشيء الأهم هو إنني أتعلم ، وفي مقدمة ما تعلمت ، فنون الكتابة الصحفية بأنواعها ، المقالة والحوار والخبر والتقرير والتحقيق الميداني والتحقيق الاجتماعي و .. و .. باستثناء التحليل السيــــاسي، وذلك لخلل في جيناتي الوراثية ، على ان الشيء الأكيد إنني امتلكت خبرات لا يستهان بها في مجالات العمل الصحفي الأخرى ، كالطباعة والتصحيح والتصميم .. الخ وربمـــــــــا كان فن التصميم هو أكثر ما استهواني وبرعت به، ولكوني زاوجت بينه وبين معرفتي بأفضل وسائل الإعلام المؤثرة في الجماهير ، وهذا ما يفتقر اليه معظم المصممين مع الأسف ! . ومع إنني لم أمارس هذا الفن ، إلا أن شهرتي ذاعت فيه ، حتى عدني بعض الزملاء مصمما أفضل مني كاتبا ، ولم تكن هذه الحقيقة غائبة عن معظم أصدقائي الذين كانوا ـ من باب الجهل ـ يستشيرونني حتى في خرائط منازلهم وكأنني مهندس معماري ، بل أن جارتنا (أم سالم) طلبت مني تصميم فستان العرس لابنتها الوحيدة !! لذلك زارني احد الأصدقاء يوما و (رجاني) أن اهيء له ملصقا دعائيا لحملته الانتخابية ، ولأنني لا امقــــــــت شيئا مثل الانتخابات ، لقناعتي أنها ترسم في الخارج وتنفذ في الداخل ، فقد اعتذرت ، ولكن صراحة الرجل وصدقه جعلتاني اعدل عن موقفي ، حيث اخبرني ان العمر يتقدم به ، ومازال من دون مسكن ولا سيارة ولا دفتر توفير ، وانه بالكاد يتدبر أمور عياله ، ولا سبيل لإنقـــــــاذه سوى أن يصبح نائبا !!. استجبت لطلبه ورحت أتابع الدعايات الانتخابية ، وقد هالني أنها مقرفة ، ملايين الصور تتدافع بالأكتاف ويدوس بعضها البعض الآخر ، وجميعها تظهر المرشحين بمظهر ارستقراطي ووعود رنانة ، والناس تقيأت من الارستقراطية والوعود ، وتبحث عن مرشحين حقيقيين من صفوفها ، صادقين وصريحين ، يمثلونها ويرعون مصالحها ، وتوصلت بعد تأمل طويل لرغبات الجماهير ، الى إعداد صورة لصديقي يرتدي فيها أثوابا ممزقة ، ويظهر بوجه متعب ولحية كثة ، ويحمل في يده (طاسه) يمدها الى الشعب الذي ينظر إليه بارتياح ، وهناك عبارة تحت الصورة تقول (انتخبونــــــي يا محسنين) وحين أطلع عليها رفضها وقال لي (هل إنا شحاذ) قلت له (اغلب المرشحين على هذه الشاكلة ، والفرق بينك وبينهم ، انك شحاذ صادق وهم شحاذون كذابون) ، لم يستمع الى نصيحتي ، وفعل كما فعل الآخرون ، مرشح مشحون بالعافية والارستقراطيـــة والوعود ، وعند ظهور النتائج لم يحصل الا على 9 أصوات ، عندها ابدي ندمه ، واقسم لي انه لن يكذب بعد اليوم ، وسيظهر بصورة شحاذ في الانتخابات المقبلة !!.
|