يوصف العقد الستيني من القرن الماضي في العراق، بأنه عقد التفتح السياسي والثقافي والفكري، على رؤى ومفاهيم وطروحات جديدة اما بالنسبة لي ولإقراني من أبناء جيلي يومها ، ويعد عقد التفتح الأولي على المراهقة ، فمع بداية الستينات كنا طلابا في المرحلة الإعدادية ، وكانت أعمارنا الفتية وراء اندفاعاتنا السياسية الهوجاء، وحماستنا الثقافية النرجسية لكي نبدو في كل شيء أعظم من مراهقتنا الفكرية ، وذلك كان طموحنا وطمعنا بالتفرد والظهور والقيادة منقطع النظير ! واحدة من المظاهر التي كنا نحاول التعبير فيها عن (الفخفخة) الفارغة ، تتمثل في عشقنا للزعامة الى حد الاقتتال عبر نافذة الانتخابات لتولي رئاسة الاتحادات الطلابية، ولا اذكر على وجه التحديد ان كانت الحادثة التي سأروي تفاصيلها ، قد جرت في العام الدراسي 1960 / 1961 ام في العام الذي أعقبه ، ولكنها لا تتعدى هذا التاريخ ، ففي تلك السنة ، حيث تم الإعلان عن موعد لتحديد يوم الانتخابات قبل أسبوعين تقريبا عن بدايته ، تقدم طالبان فقط للترشيح ، كلاهما من المرحلة الأخيرة في الإعدادية ! اعتذر سلفا عن ذكر اسميهما لأنهما انتقلا الى رحمة الله ، لأقول : كان الاول ويدعى (س) ، من الطلاب المتفوقين دراسيا، والمشهود لهم بالخلق الجم ، وحسن السيرة والسلوك ، وينتمي الى أسرة تعد من وجهاء المنطقة ، زيادة على ذلك كان هذا الطالب من نجوم الإعدادية إذا جاز التعبير فهو خطيب مفوه في الاحتفالات والتظاهرات ، وشاعرا غديا كان مدرس اللغة العربية ، يتوقع له مستقبلا شعريا باهرا ، لولا ان الموت عاجله وهو طالب في المرحلة الثالثة من الجامعة ، على اثر حادث مروري ... اما الطالب الثاني ويدعى (ص) فقد كان على العموم بخلاف هذه المواصفات ، طالب دون مستوى الوسط ، مشاكس وميال الى العراق ويقدم نفسه مع خمسة او ستة طلاب من حوله على انه او أنهم (شقاوات) المنطقة والإعدادية على حد سواء، وكان الجميع بما فيهم إدارة الإعدادية يتحاشونهم، ولم يكن لدينا ادنى شك بان المرشح (س) سيحصل على أكثر من 90% من الأصوات ، في حين كان المرشح (ص) يتحدث بمباهاة ومن دون حياء انه الفائز، كنا نضحك في سرنا ونحن مطمئنون الى خسارته، خاصة وان اللجنة المشرفة على الانتخابات يتزعمها المدير واثنان من المدرسين ، والثلاثة محايدون لا غبار عليهم ولا مصلحة لهم ، وكانت المفاجأة فعند إعلان النتائج حصل (ص) على 86% من الأصوات ، وهو أمر غير معقول ويخالف المنطق وظلت النتيجة سرا محيرا على مدى سنوات طويلة قبل اكتشافنا ان اللجنة المشرفة تعرضت الى التهديد من (الشقاوات) وكانت السنة التي تولى فيها (ص) الرئاسة , هي ... الاسوء في تاريخ الإعدادية !!.
|