في أوائل العقد الستيني من القرن الماضي، كنا مجموعة من طلاب إعدادية الكرخ نهرب من المدرسة ، ونذهب إلى سينما بغداد في (علاوي الحلة) كي نحضر العرض الصباحي ، ونقطع بالطبع تذاكر الدرجة الثالثة لان سعرها هو الادنى (40 فلسا) ، ومرتادو هذه الدرجة في العادة هم من السواق والحمالين والجنود و (الافرارية) والشقاوات ، ولم نكن نهرب الا إذا كان الفلم المعروض هنديا ، لانه يدغدغ دموع المراهقة العاطفية في عيوننا مثلما يحلق بخيالنا وهو يقدم العجائب والغرائب ، كان يعثر رجل في الثلاثين من عمره على طفلة في العاشرة من عمرها تائهة في الشارع فبصحبها إلى بيته ويعطف عليها ويربيها ، وعندما تبلغ العشرين من العمر يتعلق بها ويقرر الزواج منها ، ثم يكتشف فجأة على الطريقة الهندية أنها امه.. وهكذا تبدأ مأساة البطل ومأساتنا مع البكاء كذلك !. على ان الإغراء الأهم لأعمارنا في تلك الأفلام ، هو اللغة الرومانسية العذبة والجميلة التي تطلقها حناجر المطربين والمطربات ، بحيث ان معظمنا كان يهيء ورقة وقلما ويدون ما يسمعه من عبارات وجمل غاية في الإبداع والصياغة ، ثم نضمنها في موضوعات (الإنشاء) ونخدع بها مدرس اللغة العربية الذي يبدي إعجابه بتلك الكتابات ويتوقع لأصحابها مستقبلا أدبيا زاهرا !!. لاشك أن تلك المرحلة انتهت ، وظهرت موجة افلام هندية جديدة تواكب عصر التطور، وتحاول الإفادة من تجارب السينما العالمية مضمونا وإخراجا ، ومع ذلك بقي ملايين المشاهدين يعشقون الافلام الهندية القديمة ويحنون اليها ، وهذا ما دفع بإحدى شركات الإنتاج السينمي إلى إعادة الحياة الى ذلك النمط من الافلام، وأعلنت عن حاجتها الى كتاب يحسنون تقديم قصص تلائم تلك المرحلة ، وسيحظى (النص) المناسب بمبلغ (50) ألف دولار ، ولان المبلغ شديد الإغراء ، فقد بادرت على الفور وشرعت بالكتابة ، وفي مدة شهرين أنجزت 3 نصوص سينمية ، الأول بعنوان (الحيتان تلتهم اسماك دجلة) ، والثاني بعنوان ( معركة دامية من اجل كرسي) ، والثالث تحت عنوان (بطل عراقي يتحدى العالم للمرة الثالثة) ، وقمت بإرسالها على عنوان الشركة وانا احلم بفوز أحداها وبالمبلغ الذي سينقلني من البروليتاريا الرثة الى مصاف الطبقة السياسية الحاكمة ، وكانت المفاجأة ان القصص الثلاث نالت استحسانا كبيرا ، وقد وصلتني قبل ايام رسالة من المنتج في داخلها مبلغ (150) الف دولار مع عبارة رقيقة يقول فيها (شكرا ... وأحسنت على هذا الخيال ، متمنيا ان ترفدنا بالمزيد) .. المسكين اعتقد واهما إنني اكتب قصصا خيالية ، المهم كانت سعادتي عظيمة وتخلصت من لوم نفسي كوي لم ارشح الى البرلمان ، لان لدي عشرات القصص الجاهزة ، وسأتقاضى كل شهرين (150) ألف دولار قد تدفع بعض النواب والمسؤولين إلى تقديم استقالاتهم والتفرغ لكتابة أفلام هندية ، خاصة وان اغلبهم يمتلك من الوقائع الغريبة والأسرار العجيبة ، ما يشيب له رأس الهنود !!.
|