ارتقت الحكومات الغربية كثيراً في مشاريعها الديمقراطية، حتى قفزت إلى مرتفعات المراتب الحضارية، فحلقت عالياً بأجنحة التغيير والإصلاح والتجديد، وسارت بخطوات ثابتة في الاتجاهين الديني والسياسي، بينما ظل عرب الشيخ متعب يخوضون في أوحال المستنقعات الطائفية، حتى غرقوا في أعماق الماضي السحيق، وعادوا بعقارب الزمن إلى القرن الهجري الأول. لكن تطلعات عامة الناس نحو الحياة الكريمة ظلت كامنة في نفوسهم المرهقة، كمون النار في مواقد القبائل المتأهبة في جوف الصحراء بانتظار وصول تباشير الفرج والتحول والتبدل، بيد أن تلك القوافل لم تصل حتى الآن، لأنها ظلت جاثمة في مرابضها المحجوزة خلف الآفاق البعيدة بعدما أحكم طوق الخناجر الخانقة حول المدن العراقية، فمنعها من الوصول. لقد تمثل الخنجر الأول بغزوات جرذان الصحراء وقروش المارينز وعقارب البند السابع، وتمثل الثاني بمخالب دول الجوار وتدخلاتها السافرة في شؤوننا الداخلية، وكان الخنجر الثالث مخبئاً تحت قوائم البغال الطائفية المجنونة، فولدت المحاصصة بين خرائب الولاءات المريبة، في الوقت الذي فقدت فيه الديمقراطية المستوردة صلاحيتها، ولم تجد نفعاً في ترقيع ثقوب وفجوات التحريض الطائفي المتزامن مع تدفق جرعات الكراهية المنبعثة من أوكار الشر، وهكذا تأرجحنا في بندول الضياع بين تقلبات الديمقراطية الطائفية، وبين فيروسات الطائفية الديمقراطية الزاحفة بلا رحمة نحو اقتلاع جذورنا الوطنية، حتى ضاع الخيط والعصفور في غابات الدستور. أن مشكلتنا ليست في الديمقراطية المستوردة، وإنما في الطائفية التي لا نفكر إلا بها، وأن هذا الاستغراق والانشغال في التفكير الطائفي، هو الذي استهلك طاقاتنا، وشتت قوانا، وبدد ثرواتنا، ومزق نسيجنا. لذا ينبغي أن نعلن الحرب على الخناجر، التي جلبت لنا الحقد والتعصب. ولا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم
|