يصعب القول ان جارنا علي عبد القادر ، إنسان فقير الحال، أو انه يعيش تحت خط الفقر، لكونه حتى دون خط الفقر، فهذا الرجل البالغ من العمر (40) سنة، يمتلك عربة يدويـــــــة ، ويعمل حمالا في السوق، ينقل بضاعة هذه السيدة المتعبة او تلك العجوز بعربته مقابل اجور متواضعة، ويكسب في المعدل 24 ألف دينار في اليوم، وهو مبلغ جيد يكفي لدفع أيجار المشتمل الصغير ، ومصاريف الأسرة المؤلفة من زوجة وثلاث بنات أكبرهن في المرحلة المتوسطة ، ولكن منــــــــــذ العام 2007 صعودا ، لم يعد الأمر كذلك بعد ان امتلأ السوق بالحمالين ، وصار مردوده اليومي لا يزيد على (5) آلاف دينار في أحسن الأحوال !. أهل المحلة الغيارى ـ وهذا طبع العراقيين ـ لم يبخلوا على الرجل وأسرته ، من زكاة الى فطرة عيد الى مساعدة بهذه الطريقة او تلك لا تمس كرامته ، ولا تخدش رجولته ، وكانت زوجه بدورها سيدة مدبرة تعرف كيف تتصرف فالاسرة تفطر على الخبز والشاي ، أما الغداء والعشاء فعلى شيء من حســـــــــاء الرز او العدس ، ومقليات الباذنجان او الطماطم او البطاطس او منقوع اللوبياء ، او الباقلاء ، ومن دون هذا النظام الغذائي الصارم ما كان بمقدور (العائلة) ، ان تواصل حياتها غير ان الرجل تعرض فجأة إلى وعكه صحية ألزمته الفراش ، ولم يعد قادرا على الذهاب الى السوق ومزاولة عمله !. ثلاثة أيام وأربعة ، وأسبوع كامل مضى ، وهو يشكو من آلام مبرحة في المعدة ، وزوجه ترافقه من مركز صحي الى عيادة شعبيـــــــــــــة الى مستشفى ، وعلاجات وأدوية متشابهة أحيانا ومتباينة أحيانا أخرى ، ولكن من دون جدوى ، آلامه تزداد وحالته الصحية تسوء ، ومع مضي المدة ظهــــــــــرت عليه أعراض جديدة ، حمى وتقيؤ، وكان اهل المحلة لا ينفكون عن زيارته ويضعون تحت وسادته ما تجود به أيديهم !. في آخر زيارة له ، بادرت انا واحد الجيران واصطحبناه الى عيادة طبيب اختصاص في الباطنية (تولينا بالطبع دفع اجور الكشفيــــــــــــة والعلاج) وبعد فحص دقيق سأله الطبيب (اخي .. هل تذكر اخر وجبة تناولتها قبل إصابتك بالمرض ؟!) ، سكت عبد القادر قليلا وهو يستذكر ثم اخبره ، انه كان مدعوا الى حفلة عرس وأكل (قوزي على برياني) ، وسأله الطبـيب (منذ متى لم تتناول اللحم؟) رد عليه (منذ 8 سنوات تقريبا ) ابتسم الطبيــــب وشعر بالارتيـــاح وقال له (الحالة بسيطة إن شاء الله ... لقد دخلت معدتك أطعمة غريبة عليها .. المهم عرفنا السبب ، ولكن عليك الالتزام بالعلاج) ولم تمض أكثر من 24 ساعة حين تماثل الرجل للشفاء !!.
|