ثمة حكاية موثقة، تعود أحداثها الى ايام الاحتلال العثماني، ومفادها ان طالبا عراقيا اكمل دراسته في الخارج وعاد الى وطنه، وقد قام حرس الحدود باعتقاله وإرساله الى بغداد للمحاكمة بتهمة التعرض للسلطان عبد الحميد الثاني، بعد عثورهم على الدليل في دفاتره ، حيث وجدوا مصطلح ( (H2O رمز الماء، حيث ترجموها على النحو التالي ( Hتعني حميد ـ 2 تعني الثاني ـ O ـ تعني صفر) ، ولولا تدخل الوجهاء واهل العلم لأمضى الطالب المسكين بقية حياته في السجن!!. في تسعينات القرن الماضي، صدر (فرمان) من (عدي صدام) يقضي بإلزام الصحفيين (داود الفرحان ـ مظهر عارف ـ عز الدين المانع ـ هاشم حسن ـ حسن العاني) بكتابة عمود في الصفحة الأولى من جريدة بابل يكون بمنزلة الافتتاحية ، وقد حاولت الاعتذار بشتى الحجج ولكنني فشلت ، وكانت التوجيهات تنص على منحنا كامل الحرية كي ننقد من نشاء ! ابتداء من عزة الدوري وانتهاء بمزبان خضر هادي ، ومع ذلك لم اكتب في حياتي مقالات اكثر خوفا وحذرا من مقالات بابل بعد ان نبهني صديقي الرائع هاشم حسن قائلا (لو أرادوا تفسير اية مقالة او تأويلها على هواهم، فاقرأ على نفسك السلام !) ، وأنا اعرف الترجمة الحرفية لمعنى قراءة السلام على النفس، وصدقت مقولة هاشم حسن ، فقد بدأ مندوبو (عدي) يرفضون هذه المقالة او تلك ، او يطلبون إيضاحا للمقصود بها ، او يضعون خطوطا حمرا تحت بعض سطورها ، وربما لم اكتب اكثر من 6 او 7 مقالات ، حين (تآمرت) مع استاذي الجميل امير الحلو ، رئيس تحرير مجلة (الف باء) يومها ، حيث نشرت فيها مقالة تحت عنوان (رسالة اعتزال) ، اعلن فيها اعتزالي العمل الصحفي، وتوقفت فعلا عن الكتابة في المطبوعات الأربع التي كنت انشر فيها، وبذلك استطعت الهروب من جريدة بابل !!. بعد عام 2003 تفتحت بوابات الديمقراطية على مصاريعها ، ولكنني رجل عركته الحياة ، وهصرته طاحونة الصحافة وتقلبات السياسة ، وتعلمت الكثير الكثير ، وأول ما تعلمته، ان الحرية اوسع بوابات الجحيم والتهلكة حين يتوهم الصحفي انه دخل قصرا من ذهب وحظي بالحور العين، وعندما تخدعه العناوين الإعلامية العريضة التي تتحدث عن الرأي والرأي الآخر وحرية التعبير ، ناسيا او متناسيا ، ان من (يفسر) كان جهة واحدة ، اما مفسرو اليوم ، فلا يحاط علما بعددهم وألوانهم وأنواعهم ، وان حراس عبد الحميد الثاني غادروا الحدود واستقروا في الداخل ، حتى لا تفوتهم غنيمة التقارير وبركة التأويل ، ولهذا حرصت على ان اكتب ما لا يضر ولا ينفع ، ولكنه يسد متطلبات اللقمة ، فالستر مطلوب في زمن الفضائح !!. ملاحظة : المقصود بزمن الفضائح هو ما يشهده العالم من تراجع اخلاقي، أملا ان لا يذهب الظن بأحد ، ويفسر العبارة ، على ان المراد بها هو فضائح التزوير مثلا ، لذا اقتضى التنويه !!.
|