لا ندري حتى الآن كيف تمددت بيوت المسؤولين وقصورهم لتهيمن على شوارعنا وأرصفتنا ؟، ومن ذا الذي منحهم الحق في هذا التمدد غير المشروع، وكيف سولت لهم أنفسهم قطع الطريق على الناس ؟. ولا نعلم حتى الآن كيف أقدمت بعض المؤسسات الحكومية على غلق الشوارع الكبيرة بذرائع أمنية غير مقنعة، وبمسوغات ومبررات لا يقبلها العقل ولا المنطق ؟، وكيف أصبحت شوارعنا وأرصفتنا مباحة ومستباحة لمن هب ودب ؟. عندنا في البصرة شوارع إستراتيجية معروفة، تم احتكارها بأرصفتها ومداخلها ومخارجها من قبل مراكز الشرطة المحلية، فشارع المحطة الذي يرتبط بأقدم موانئ العراق (ميناء المعقل)، ويتصل بأكبر محطة للسكك الحديدية في المنطقة الجنوبية، ويفصل بين مركز المدينة وشمالها، أصبح من ضحايا فلسفة الشوارع المغلقة. وأصبح من المتعذر على سيارات الشحن الكبيرة السير بحمولاتها الثقيلة في هذا الطريق الاستراتجي، ما اضطرها إلى ولوج الأزقة الضيقة وانتهاك سكون الأحياء السكنية الهادئة من أجل تفادي المرور بالشوارع المخصصة لها في التخطيط العمراني. أما نحن سكان الأحياء الفقيرة فصار من المتعذر علينا العودة إلى بيوتنا, أو الوصول إلى مواقع أعمالنا عبر الطرق السالكة, بسبب كثرة الحواجز الكونكريتية, وبسبب تقاطعات الأسلاك الشائكة, والعوارض الأنبوبية, والمعرقلات البلاستيكية, والكتل الحجرية, والمطبات الاصطناعية، وبسبب كثرة مراكز الرصد والمراقبة, ونقاط التفتيش التي أقاموها حول منازلهم، وصرنا لا نستطيع الخروج من بيوتنا, ولا المرور في التفرعات المؤدية إليها، فتعثرت خطواتنا, وتغيرت خارطة مدينتنا, وتقطعت أوصالها أربا أربا, وانقلبت معالمها الجغرافية رأسا على عقب, وتحولت ضواحينا, التي كانت تنعم بالهدوء والاستقرار, إلى ثكنات حربية, ومعسكرات تحتشد فيها المصفحات والمدرعات, وتصطف على أرصفتها العجلات الحديثة ذات الدفع الرباعي, لتنطلق كل صباح بسرعات صاروخية, وبحركات جنونية، فتتقدم مواكب أمراء الشوارع المُحتلة. المؤسف له أن هذه التجاوزات انتشرت في مدننا كلها, وصارت موضة من الموضات السلطانية البرمكية المزعجة. تفننت بها شرائح ومجاميع كبيرة ومتباينة, بل أنها صارت من التجاوزات المقامة حول بيوت المسؤولين ومكاتبهم, واللافت للنظر أنها ظلت تمارس من قبل المسئولين السابقين, والمحالين منهم إلى التقاعد, وصار بعض رجال الدين يمارسونها أيضا, ولكن على نطاق ضيق. لم يعد من السهل التجوال في شوارعنا وأرصفتنا من دون معرفة مسبقة بأرصفتها المُحتجزة، وطرقها المغلقة، وتفرعاتها المسدودة، فمتى تزال هذه التجاوزات المنغصة وانتهاكاتها السافرة من مدننا وقرانا وأحيائنا السكنية ؟. انه مجرد سؤال نطرحه على مدراء البلديات في المحافظات كافة.
|