ـ 1 ـ في عام 1959، وانا طالب في الصف الثالث المتوسط، وضعت لأول مرة قدمي اليسرى على طريق السياسة ، وكان المفروض ان أتقدم بالقدم اليمنى مثل العرائس في ليلة دخلتهن ، لأنها تجلب الخير والبركة ، كما تقول معتقداتنا الشعبية ، وهذا يعني إنني في قلب الحياة السياسية منذ خمس وخمسين سنـــــة ، وبقراءة موضوعية وان كنت على عجل، اكتشفت ان هذه المدة الطويلة لم تكن أكثر من أعوام جراد، أكلت احلي سنوات العمر ، فقد كنت ضحية أكاذيب الساسة والزعمــــــــاء والقادة ، ولهذا راجعت نفسي ، ولو بعد فوات الأوان ، وقررت الابتعاد عن تاريخي ونكباته وخسائره الفادحة ، وملازمة البيت لا ابرحه الا عند الضرورة القصوى ، غير ان ملازمة الدار ليست محمودة دائما، فقد تحولت في نظر زوجتي الى (ضرة) أتدخل في شؤونها وتتدخل في شؤوني ، ولا احتمل رؤيتها ولا تحتمل رؤيتي ، وحيــــث لا امتلك حلولا ولا خيارات ، عمدت مضطرا إلى مجالسة أحفادي ومجاراتهم وتقليدهم ، فهي الضرورة وأحكامها ، وإلا أمضيت حياتي في عزلة قاتلة ، وغربة نفسية مدمرة وانا في منزلي وبين أسرتي !. من هنا رحت أتابع مثلهم مباريات كرة القدم ومنافساتها ، ولكوني لست عجوزا تقليديا ، وانحدر من أبوين ديمقراطيين بالولادة ، فقد تركت أحفادي يعبرون عن انفعالاتهم وانا معهم اصرخ واصفق، منطلقا من مقولة شعبية معروفة (حشر مع النـــاس عيد) وهذه المقولة هي التي انبثقت منها الديمقراطية في العالم بصورة عامة ، وفي العراق على وجه الخصوص، لان الحشر مع الناس (حقا او باطلا) ، هو اشارة واضحة الدلالة الى مفهوم (الأكثرية) ، إحدى أهـــــم أركان المنهج الديمقراطي ، ومع ذلك اكتشفت إنني رجل فاشل في موقفي من فهم الأكثرية ، واختلف عن موقف أحفادي الذين تربوا على ديمقراطية العراق الجديد ورضعوا حليبها منذ طفولتهم ، فقد كنـــــت انفعل واقلب المكان عياطا وفرحا ، ولــو كان معي مدفع رشاش لملأت السماء رصاصا كلما تم تسجيل هدف لصالح هذا الفريق او ذاك ، وهي طريقة سيئة في التشجيع ينكرها أحفادي ، والصواب عندهم ان تكون مع فريق واحد فقط، تمـاما كــــــما يجري بين مشجعي الكتل السياسية ، وعليك الوقوف الى جانب كتلتك ولو كان خصمك على حق، وقد ألمني ذلك وشعرت بخيبة أمل تربوية ، لان هذا يعنـــــي إننا ما زلنا متمسكين بالمفهوم الجاهلي (انصر أخاك ظالما او مظلوما) ، وان الدماء التي تجري في عروقنا هي دماء العشيرة وليست دماء الحضارة والثقافة والمدينة!!.
|