الانسان منحاز الى نفسه ويراها جديرة بكل شيء نافع ومبهج وكبير,يراها جديرة بالمناصب والثروات والوجاهات والمنازل الاجتماعية ...ولكن في كل انسان ايضا رقيب عادل ومقياس دقيق ويسمي الاشياء باسمائها ,وقاض يقضي بالحق بكل ما يجري الا ان هذا الرقيب وذاك المقياس وذياك القاضي انما من الخفاء انه غير مرئي ولا محسوس حتى من حامله ,الانسان نفسه ...وان الاحكام الصادرة تسري بالخفاء ايضا ولا يشعر بها الانسان ...وان كانت تتجلى في وقائع وسلوك وممارسة ,فالامي الذي حلت عليه شهادة الدكتوراه سيبقى هناك من يسخر منه ويعفط له ويقول له انه مزور وليس دكتورا ,وانه وان كان يظن على نحو ما انه يستحقها فانه ايضا لا يستطيع ان يتوازن وان يكون سويا رغم خفاء الصوت الساخر .. المصادفة التي جعلت هذا الذي يحتفي ويتصاغر امام مفوض الشرطة وقد حلت عليه الرتب والالقاب وصار مديرا للشرطة سيظل محكوما بهاجس ان تنفجر عليه كذبته وعدم استحقاقه وينعكس هذا على سلوكه وتصرفه ,واذا كان بلا جرأة ولا جسارة ولا عزيمة فانه سيتكشف عن رعديد ساعة الخطر ...وكذا كل من يتبوأ أي دور ووظيفة وموقع بلا استحقاق وبلا جدارة وبلا موافقة اجتماعية (اي من المجتمع داخله ,ولا من القاضي الخفي في قلبه)..فالكذب والتزوير والاحتيـــــال في شغل الفرص سيخلق كائنا يدري في اعماقه المتوارية عنه انه مؤسس وقائم على الادعاء والكذب والتزويــر او على التواطؤ والتغليس وسرقة المجتمع .. فهو هش وهزيل في داخله وان كان سيكابر ويتحدى ويظهر الوجه الذي يظنه سيطمس الحقيقة ...وقد يتوقع له علماء النفس اتجاهات وسيرورات وانكسارات واعطاب خطيرةوبعواقب كارثية بحجم الكذب والتزوير والتجاوز ...وابسط ما يصيبه هو يقينه ان العالم يقوم على ما قام هو عليه وانه عالم غير عادل ...ويبرر الخداع والاستغلال والابتزاز ..لذا قيل انه لا مستقبل للباطل ,ولا مستقبل لرجل في غير مكانه المناسب ...لا لانه قد يفتقد للمهارات والمواهب المناسبة لما ظفر به وحل عليه ,بل لانه ,في خفايا كيانه قد تأسس على الباطل ..على المغالطة والاختلاس والاستحواذ على ماليس له ,ولا من استحقاقه ..وسيكون بلا عقيدة بعمله وتصرفه ..بلا ايمان صادق بنفسه وسرعان ما ينهزم وتظهر هشاشته ...وينقلب من عنيد مغرور صلف الى مكسور مطأطئ متسول ..فتعمل العدالة الخفية عملها وتوقع القصاص .
|