اختصت الإحياء الشعبية في العراق بانتاج نماذج متفردة ، أو لا تخلوا من غرابة ، وهو ما تفتقر أليه الإحياء الراقية في العادة، ولهذه الظاهرة أسباب يصعب الخوض في تفاصيلها ضمن هذا المجال المحدود ، واحد من تلك النماذج، وتمثل بعلاقة نادرة بين ثلاثة أصدقاء من محلة واحدة في كرخ بغداد، كان الثلاثة من أعمار متقاربة ، هم ألان على مشارف الستين، وقد بدأت علاقتهم منذ الطفولة ، وتوطدت عرى الصداقة مع مرور الزمن، والأمر اللافت للنظر أنهم طوال هذه المدة لم يفترقوا أو يختلفوا ، ولم يفسد الدهر لهم ودا في يوم من الأيام !. لعل أهم ما يميز هؤلاء الرفقاء الثلاثة، هو ميلهم الشديد الى المزاح و (عمل) المقالب المضحكة، حتى أطلقت الناس عليهم اسم آو لقب (الثلاثي المرح) ، ومع ذلك فأن هوسهم الأكبر بالرهانات فيما بينهم، آذ لا شيء مهما يقع خارج رهاناتهم من النرد والورق والدومينو الى سباقات كرة القدم الى ابتداع العجيب والغرائب، على غرار كم مترا طول هذا الجسر أو ذاك ، أو كم عدد أعمدة شارع الرشيد ، والشيء الطريف في تلك الرهانات التي يستمتعون بها ، أن الخاسر يدعو صاحبيه على قدح شاي !. في السنوات الأخيرة أخذت رهاناتهم صورة جديدة ذات تكهنات مستقبلية، من ذلك على سبيل المثال ، الرهان على الكهرباء في تموز، آو الطقس بعد عشرة أيام، أو على عدد القوات الأمنية في العراق عام 2016 وهكذا .. أخر جلسة رهان جمعتهم، كانت انتخابات 2014 وما يدور حولها من تكهنات ، وقد تراهنوا على أكثر من موضوع ، من ذلك النسبة الحقيقية للمشاركين في الانتخابات ، والنسبة الحقيقية للتزوير ، ومن ذلك من يكون بمقدوره تشكيل الحكومة ، وعدد الأشهر التي يستغرقها التشكيل ، ومن ذلك من سيتحالف من قبل الانتخابات وبعدها (رهاناتهم كانت قبل بدء الحملة الانتخابية بأربعة أشهر) ، ومن بين رهاناتهم ، هل يفوز المالكي بولاية ثالثة ، ثم هل يفوز بولاية رابعة أم يفوز بولاية أبدية ، انه حقا هوس مرضي ، يراهنون على كل شيء، وختموا رهاناتهم حول الكتلة الفائزة ، فقد قال الأول (الليبراليون والعلمانيون واليساريون والتقدميون ، هم الكتلة الفائزة ) وقال الثاني : لا اعتقد أن هذه الكتلة ستفوز ، أما الثالث فقال : لو سمحت للأحزاب الدينية لهم بالفوز فسأقطع ذراعي ، وانتقلوا الى رهان جديد حول من سيكون رئيس الجمهورية ، ثم راهنوا على قضية أخرى : هل سيتغير وضع العراق بعد الانتخابات ؟ الغريب أنهم لم يختلفوا هذه المرة !!.
|