اتفقت قبيلتا (كعب) و (أياد) على تقاسم مرعى خصب للماشية ، لكل منهما عام ، غير ان كعبا نقضت الاتفاق واستأثرت بالمرعى ، وكادت الحرب تنشب بينهما ، لولا حكمة (قس بن ساعدة) الذي خطب في قومه قائلا (اقسم بالصبح الموعود والرب المعبود ، أن الحق لا ينكره عاقل ، ولا ينشده جاهل ، وقد رأيت الرأي المبين ، وعلمت علم اليقين ، ان كعبا جهلت (اعتدت) في وضح النهار ، وغرها السيف البتار ، وقد غفلت ان صبح الغادر ليل أهوج ، وليل العادل صبح أبلج ، وعدت فنكصت ، وعاهدت فرجعت ، خرجوا على السنن ، وقلبوا ظهر المجن ، فأن دعوتكم الى عقد الراية ، والسرى الى الغاية ، لكان لكم صليل لا يرحم ، ولكثرة لا تقحم ، عن يمينكم تغلب وشيبان ، وعن شمالكم بكر وذبيان ، خيام هاوية ، ونساء عاوية ، شرف يهرق ، وبيت يحرق ، نجهل مثل جهلهم ، ونبغي مثل بغيهم ، فرسانكم لا تبقي ولا تذر ، وقد اعذر من انذر ، غير ان كعبا بنو عم ، ونسب وصهر ودم ، نساؤنا ازواج لهم ، ونساؤهم ازواجا لنا ، رماحنا ذادت عنهم ورماحهم ذادت عنا ، سألناهم يوم لا يسأل الا كريم ، فحنوا علينا حنو المرضعات على الفطيم ، اوقدوا نار الفلاة ، وذبحوا الناقة والشاة ، من انكر فناكر جميل ، ومن اقر فمعه دليل ، اعلموا ان اصبنا منهم مقتلا ، او اصابوا منا مقتلا ، فالسهام عائدة ، واللطيمة واحدة ، ألا يا سادة القبيلة ورجالها ، الفتنة ترمي اليكم حبالها ، ما هي منهم الا نزوة الغافل ، وما هي منا الا نفرة العاقل ، ألا فانبئوا عني كعبا ، لهم الكلأ والمرعى ، ليس بين السداة واللحمة غالب او مغلوب ، ولا طالب او مطلوب ، لو كان فيها الطمع والجمح ، فمنا العفو الصفح ، ان التزموا بالعهود ، فشيمتهم الجود ، الله الله في ذرية كعب ، واللعنة اللعنة على الحرب) وتحدثنا كتب التاريخ ، ان صعصعة بن همام بن مازن ، زعيم كعب ، لما بلغته خطبة قس بن ساعدة الايادي ، بكى حتى اخضلت لحيته ، ودعا قومه ووقف فيهم خاطبا وقال ( لقد ألزمتنا اياد الحجة ، واوقعتنا في دروب اللجة ، أفيهم ابن ساعدة وصفوة اياد ، ان كعبا من الاجواد ، نسائي علي مثل ظهر امي ، وقد اشهدت على ذك قومي ، المرعى لهم هذا العام ، وما يعقبه من اعوام ) وحين بلغ اعتذار صعصعة مسامع ابن ساعدة ، أولم وليمة كبيرة ، التقت عندها عيون القبائل ، ووقف فيهم خطيبا ، واخبر من كان حاضرا ، ان كعبا جادت عليهم بالمرعى ، وقبيلته لا ترد هدية الكريم ، ولكن الأرض وكلأها وماءها حل على ابل كعب وماشيتها ، ترتادها متى طاب لها الارتياد .. وبذلك نجح ابن ساعدة في درء حرب كان يمكن ان تأتي على الأخضر واليابس ، وضرب مثلا في المصالحة لم يلتفت اليه احد مع الأسف !!.
|