في ثمانينات القرن الماضي أصدرت قيادة الحزب الحاكم تعليمات تقضي بمخاطبة (عضو قيادة الفرقة) صعودا بمفردة (أستاذ) بديلا عن مفردة (رفيق) حتى لو كان هذا العضو خريج الدراسة الابتدائية ، وكان المتحدث معه خريج جامعة السوربون ، أما عضو القيادة القطرية فيخاطب بعبارة (الرفيق المناضل) ، في حين أصبحت (حفظه الله ورعاه) عبارة رسميـــــــة تعقب اسم صدام حسين أينما ذكر ، سواء في الخطاب الحزبي وخطاب الدولة ، ام في الخطاب الإعلامي ، وبذلك نشأ ما يمكن أن نطلق عليه وصف (الخطاب الدكتاتوري) ، وتحضرني في هذا السياق حكاية كنت احد شهودها ، فأحد أصدقائي المقربين ويدعى (زكي ...) كان بدرجة (عضو قيادة فرقة) ، وهو مهووس بحب الحزب ، وانخرط في العمل الفدائي بضع سنوات أمضاها في لبنان، وشارك في أثناء الحرب العراقية الإيرانية ثلاث مرات في جبهــــــات القتال ضمن قواطع الجيش الشعبي ، وفي عام 1985 تم طرده من الحزب لأنه كان يدير ندوة ثقافية حزبية ، وقد أتى على ذكر صدام حسين (27) مرة بلقب (الرفيق المناضل) من دون عبارة (حفظه الله ورعاه) ، وكان هذا هو السبب الوحيد الذي استوجب فصله ، وبالضرورة معاقبته معاقبة وظيفية قاسية ، في أطار ما كان يعرف يومها بالعقــوبات (المتبادلة) ، فالبعثي الذي يعاقب وظيفيــــــا تنعكـس عليه في الحزب وبالعكس !!. من بين أشياء كثيرة أثارت قرفي واستهجاني في قوانين التخاطب وأعرافه ، هو ما كان يسري على أصوات وأقلام الغالبية العظمى من مسؤولي الحزب والدولة ورجال الأعلام ، وهم يخاطبون وزيرة الخارجية الأميركية ( مادلين أولبرايت) بألفاظ شتائمية او انتقاصية ، كالوقحة أو العجوز أو الشمطاء ... الخ ، بينما كان الشاعر حميد سعيد (وهو من رجالات الحزب والدولة) يخاطبها عبر عموده في جريدة العراق ، على هذا النحو (السيدة أولبرايت) ، وهو وأياها في موضع الخصومة والنقد والعداء ، وكان هذا مثار احترامي ، لان أدب التخاطب كما تقضي الأعراف جميعها ، لابد أن يبقى حاضرا حتى مع الخصم !!. أتابع اليوم فضائياتنا وحوارات الضيوف والمحللين ، واشعر بالسعادة لان مفردة (سيدي) او ما يماثلها تجري على بعض الالسن ، ولكنني امقت الحديث عن (المالكي وعلاوي والجعفري وبــــارزاني والطالبــــــاني والنجيفي .. الخ ) بألقابهم او أسمائهم المجردة ، وكأنهم أشقاءهم الصغار أو أبناء عمومتهم ، أو كأنهم يتحدثون عنهم في مقهى الطـــــــرف من دون مفردة (السيد) أو العنوان الوظيفي او السياسي ، أو اية عبارة او مفردة ذات دلالة أخلاقية أو حضارية !!. يا أبطال الفضائيات تعلموا فن التخاطب مع الأخر ، وبعدها وجهوا نقدكم القاسي وملاحظاتكم الموضوعية الى أي عنوان او زعامة بمنتهـــــــــــى الحرية ، وبخلاف ذلك فأن ديمقراطيتنا ستضيف الى عللها الكثيرة علة جديدة !!.
|