لعل اهم ما يميز العراق الجديد ، ان لا احد يسمع صوت الشعب او يلتفت أليه او يقيم له اعتبار، سواء من السلطة التنفيذية ام التشريعية ، الا عند اقتراب موعد الانتخابات ، فقد تظاهر حتى أضناه التعب ، ونادى الى ان بح صوته وهو يطالب بوضع حد لسرقة اموال الناس من قبل وزراء ومسؤولين ومتنفذين معروفين في الدولة ، بغطاء قانوني مشرعن ، وتعب وتخدشت حنجرته من العياط لوقف الرواتب الفلكية والامتيازات الخرافية للنواب والوزراء والعناوين الكبيرة ، التي يتقاضونها في إثناء الخدمة او بعد الإحالة على التقاعد ، وضرخ واستنجد وهدد واعتصم وبكى من اجل الحصول على ماء وكهرباء وسكن وعمل وخدمات و ...... ولكن لا حياة لمن تنادي !. واذا كان الشعب (مصدر السلطات) ، فمن يسمع منظمات المجتمع المدني ووسائل الاعلام والنخبة الخيرة من شرفاء السياسيين ، اما المرجعيات الدينية فكلمتها موكلة بالمصالح ... اذا وافقت وتوافقت مع مصالح المتنفذين ، يرجعون اليها ، ويباركون موقفها ، اما اذا تعارض مع مصالحهم فأنهم يغضون الضمير والطرف والسمع وكأن بهم الصمم !!. في هذا المشهد التراجيدي المحزن ، تزعم النسبة العظمى من المسؤولين والنواب وكبار الساسة ، عبر تصريحاتها القضائية ، انها جاءت لخدمة شعبها ، والأمر الذي يعنيها قبل اي أمر آخر هو السهر على مصلحته ، وانها بقدر ما تستمد شرعيتها منه ، فأنها تمثل صوته الصادق ، وهي تصريحات لا تخلو من كوميديا مضحكة ، فهي لو كانت كذلك ، وهي تمثل النسبة العظمى ، فلماذا لا تحسم الموقف وتقول كلمتها القاطعة وينتهي كل شيء ؟!. كنت افكر في هذه الدوامة من التناقضات ، وأسال نفسي سؤالا افتراضيا : ماذا لو نجح الشعب في مطلبه المشروع ؟ وماذا لو نجح في تصعيد مطالبه مستقبلا وجعل اعضاء البرلمان في دورتهم الانتخابية عام 2018 يتقاضون الراتب الذي كانوا يتقاضونه عن خدمتهم الوظيفية في الدولة ، كان يكون (900) ألف دينار شهريا او مليونا او مليونا ونصف المليون ، ويكون السقف الأعلى للراتب في البرلمان هو (مليونا ) دينار مع الغاء الامتيازات الأخرى كافة ، وكذا الحال بالنسبة للوزراء وكبار المسؤولين وأصحاب الدرجات الخاصة !. سألت نفسي هذا السؤال عشرين مرة ، وفي المرات كلها أتوصل الى الإجابة ذاتها : سوف لن يتقدم الى الترشيح اكثر من (30) الى (40) شخصا في الحد الأعلى ، بينما المطلوب قرابة (340) نائبا في عام 2018 ، وعندها لا يوجد حل سوى الغاء البرلمان ، وهذا الحل قانوني ودستوري ويفرضه الواقع ، وبذلــــك تنتهــي مشكلة الصراع على الكراسي ، ولن يضطر رئيس الوزراء المقبل الى حل البرلمان بإشارة من إصبعه كلما تعكر مزاجه من هذا النائب او ذاك !!.
|