جثم الاحتلال العثماني البغيض على صدر العراق، قرابة اربعة عقود متواصلة ، ما كان لها ان تمر بسلام ، ومن دون تأثيرات عميقة، ولهذا يذهب كثير من علماء الاجتماع الى القول ، ان ثلاثة ارباع موروثنا الشعبي من العادات والتقاليد والمفردات العامية ، وشيئا لا يستهان به مما نتعارف عليه بالعيب والحلال والحرام ترجع اصوله الى تلك الحقبة ، كما كان من الطبيعي ان تظهر مئات القصص والحكايا ، بعضها حقيقي وبعضها موضوع من صنع الرواة !. واحدة من مسموع حكاياتي ، تفيد ان مواطنا فقير الحال ، كان يسكن في بيت بسيط مؤلف من غرفة واحدة ، فتقدم الى والي بغداد ، المسؤول الاول عن الرعية بطلب يرجو فيه الحصول على دار أوسع من داره ، لان زوجته وأبناءه السبعة يعيشون معا في تلك الغرفة الوحيدة ، فما كان من الوالي الا ان استدعاه (وظن المواطن خيرا) وسأله (هل لديك حيوانات في باحة البيت) اجابه ( نعم يا مولاي عندي عشرون دجاجة ونعجتان وبقرة) أستعين بها مع عملي على تدبر المعيشة قال له الوالي وهو يفتل شاربه (اسمع يا رجل .. ابتداء من هذا اليوم عليك ادخال حيواناتك الى الغرفة ، ، تنام معكم) استغرب الرجال وقال (كيف ذلك يا مولاي ؟) رد عليه الوالي بلهجة امرية (كما اخبرتك .. من هذا اليوم تنقلها معك .. وسأجعل عليك رقيبا .. ولو خالفت امري فمصيرك السجن.. اذهب الان ونفذ ما سمعت .. وتعال بعد اسبوع ) !. بين مصدق ومكذب خرج الرجل ، ونقل الحيوانات مع اسرته ، ومر عليه اسبوع من القرف والجحيم يعادل سبعين سنة ، وفي الموعد المقرر التقى الرجلان ، وكان المواطن يبكي وهو يشرح ماساته المريرة ، قال له الوالي (اذهب الان واعد البقرة الى مكانها القديم وتعال بعد اسبوع) وفي الموعد المحدد ، سأل الوالي (كيف الحال من دون بقرة ؟!) (افضل يا مولاي ، ولكننا ما زلنا نعيش مع الدجاج والنعاج !) قال له (اذهب الان واعد النعجتين الى مكانهما ، وتعال بعد اسبوع !) وفي الموعد المتفق عليه التقى الرجلان ، سأله الوالي (كيف اصبح الوضع الان ؟!) (افضل بكثير يا مولاي ، ولكن الحياة مع عشرين دجاجة لا تطاق !) ، قال له (اذهب الان واعد الدجاج الى مكانه وتعال غدا) ، فرغ الرجل وأسرته من اخراج الدجاج ، ونظفوا الغرفة وكنسوها ، وأعادوا كل شيء الى مكانه ، وناموا ليلتهم تلك سعداء هانئين ، وفي الغد التقى الرجلان ،وسأله الوالي (كيف اصبحت الحال الان ؟) بكى الرجل فرحا وهو يرد عليه (أسعد الله الوالي وأيده بنصره مثلما اسعدنا ) (هل تطلب مني شيئا اخر فأنا حاضر!) رد عليه الرجل : انا يا مولاي لست طماعا ، وقد اكرمتني وانقذتني من البلوى .. ثم غادر المكان وهو يلهج بالدعاء !!.
|