حقا هي صداقة عمر مثالية، تلك التي جمعت بين (حمزة وحمودي) على مدى أكثر من ثلاثين سنة ، كانت ابرز عناوينها الاحترام والود والإخلاص ، غير ان الغريب إنهما لا يكفان عن المناكدة إذا قال احدهما أن العراق يحتل مرتبة مخجلة في الفساد ، قال الآخر ، يحتل العراق مرتبة مشرفة في النزاهة، وإذا قال الأول : الأرض كروية ، قال الثاني : الأرض بيضوية ، على الدوام اعتراض متبادل ، وكل ما يصرح به هذا الطرف هو خطأ عند الطرف المقابل !!. قبل بضعة أشهر كنا معهما في دعوة عشاء عند احد الجيران بمناسبة زواجه للمرة الثالثة ، وبعد أن انتهينا من الطعام ، أخذتنا أحاديث الساعة ، وكان البرلمان والانتخابات على رأسها وقد شن (حمزة) هجوما عنيفا، وبالغ القسوة على البرلمان ، حيث وصفه بأنه (رأس حاجة) في الدولة ، لا يقدم ولا يؤخر ، ويضر أكثر مما ينفع ، وأشار إلى ان له دورين لا ثالث لهما ، الأول : دور تشريعي ، وقد اغتصبته الحكومة وسيطرت عليه ، وأصبحت هي التي تشرع ، والثاني : رقابي ، وقد فشل البرلمان بسبب الحكومة كذلك فشلا ذريعا ، فهو لم يستطع محاسبة مسؤول او إقالة وزير او استدعاء شرطي مرور ، ثم واصل هجومه وهو يتحدث بالتفصيل الممل عن رواتب امتيازات الأعضاء وايفاداتهم وغيابهم وأراضيهم وعلاجهم المجاني ، وكيف يمررون القوانين في سلة واحدة ، وكيف توافق الكتلة (ق) على طلبات الكتلة (ع) إذا ما وافقت الكتلة (ع) على طلباتها ، وكيف تجري التحالفات المريبة بين أطراف المحاصصة وكيف وكيف ... الخ ، واقترح في نهاية خطبته الحماسية العدائية ، إلغاء البرلمان ، وتوزيع المليارات (التي تصرف للأعضاء والموظفين والمكاتب) على المحتاجين أو بناء مدارس أو تحسين رواتب الرعاية الاجتماعية و .. وما كاد ينتهي حتى قال (حمودي) على الفور : هذا الكلام خطأ ، وهذه المعلومات كلها خاطئة ، والصحيح باختصار شديد ، أن انفع شيء للبلد هو وجود البرلمان ، لعله لا يحل ولا يربط ، ولكن هذا ليس عيبا ، فالجميع في العراق لا يحل ولا يربط ، ولكن هل يمكن لمنصف او صاحب ضمير ان ينكر كيف يحرك البرلمان عجلة العمل والحياة الاقتصادية قبل كل دورة انتخابية ، وهل ننسى انه السبب في توفير أكثر من (مئة ألف) فرصة عمل في كل انتخابات من مصورين وعمال مطابع ونجارين وحدادين وخطاطين وباعة أقمشة وباعة هدايا وعمال لصق إعلانات ورفع لافتات ومدراء مراكز وصناديق ومراقبين ، ناهيك عن خمسة آلاف فرصة أخرى لشباب عاطلين يتولون تمزيق ملصقات المنافسين وصورهم ولافتاتهم ، وتساءل في ختام خطبته الحماسية المدافعة : أسألكم بالله يا جماعة أليس البرلمان مفيدا ويقدم خدمة جليلة للبلد ؟! الحقيقة ناقشنا الموضوع على مهل ، وتوصلنا الى نتيجة متوازنة بين حمزة وحمودي ، وهي أن الانجاز الوحيد والكبير للبرلمان يكمن في توفير فرص عمل ، ولذلك اقترحنا أجراء الانتخابات كل 4 أشهر بدلا من 4 سنوات خدمة للصالح العام !!.
|