في اية ساعة من ساعات الصباح او الضحى او الظهيرة او العصر او المغرب ، لا فرق في الاوقات ، انها واحدة ، وانها تقاطعات الشوارع البغدادية ، واماكن الاشارات الضوئية ، وطوابير المركبات امام نقاط السيطرة ، هذه المواقع وما تشهده من زحامات يشيب لها رأس الاصلع، ويئن تحت وطأتها المريض وينفد الصبر ، تعكس وجها من وجوه البطالة التي يعاني منها البلد ، مثلما تعكس حالة من التردي الاجتماعي والتربوي عندما يتقافز الاطفال من الجنسين بين السيارات عارضين بضائعهم ، بدلا من ان يكونوا على رحلاتهم المدرسية !. ما كان يحزنني شيء مثل رؤية صغار بعمر التاسعة او العاشرة ، تعلو اجسامهم ثياب رثة ، ولعلهم لم يستحموا منذ اسابيع ، وفي ايديهم علب نساتل او صناديل ورقة او علكة او ... وهم يحاولون تسويق بضاعتهم بطريقة اقرب ما تكون الى الشحاذة ، فأية حاجة عائلية دفعتهم الى ذلك ، وأية تربية مدرسية وأسرية سيتلقونها , والشارع من يتولى تربيتهم ، واي جيل مستعد للانحراف سينشأ و .. وأين الدولة من هذا كله ؟! وحزني لا يقل وجعا عن عشرات المئات من الشباب والرجال والنساء وهم يتوزعون على اماكن الزحام لا يمنعهم صيف وقيظ وحر .. ولا يبالون بشتاء وبرد ومطر ، انها لقمة العيش ، ولعلها مسؤولية اسرة ، ولو كانت في البلد مصانع ومعامل وحركة عمل واعمار ومشاريع لانهت ظاهرة البطالة المقنعة بقناعة الدكاكين الجوالة ، واستثمرت هذه الآلاف المؤلفة من الطاقات المعطلة ... نعم اماكن الزحام تحولت الى دكاكين ، فهذه المجموعة تبيع المناديل الورقية ، وتلك تبيع السجائر ، وهنا وهناك مجاميع تعرض انواعا لا تحصى ولا تعد من البالونا ولعب الأطفال والماء والمشروبات الغازية والصحف وقطع القماش وكارتات الموبايل وصور الائمة وكماليات السيارات ، بل ان بعضهم ابتكر بيع الشاي بأقداح بلاستيكية ، وما أتيت على ذكره قليل من كثير ، لان ثمة بضائع لا تخطر على البال كالمسبحة مثلا او قبعات الخوص او القمصان .. الخ ، بحيث اصبحنا امام سوق مركزية وليس مجرد دكان !!. من بين هذه التشكيلة المنوعة من المعروضات اثار انتباهي امر بضاعة غريبة كان يعرضها شاب في الثلاثين من عمره ، يبيع انواعا من الاقراص الطبية الخاصة بوجع الراس ، وكان الاقبال عليه منقطع النظير ، ولا ادري هل كان ابتكاره محض مصادقة ، ام ناتج عن معرفة بالسوق لانه يتمتع بدرجة عالية من الذكاء جعلته يدرك حاجة الناس الحقيقية ؟!.
|