قبل بضع سنوات، بعت مكتبتي وذهب زوجتي والزولية وغرفة الضيوف، واشتريت قطعة ارض سكنية مساحتها (50) مترا بمبلغ (30) مليون دينار، كنت احلم ببناء منزل يخلصني من لغاوي الإيجار، على أن تحقيق هذا الحلم البسيط اقرب الى المستحيل، فمن أين يتأتى لعراقي مثلي تشييد دار بعشرات الملايين إذا لم يكن دخله كبيرا، ودخلي أوهى من جنح ذبابة، او إذا لم يكن جاسوسا او عميلا او مرتشيا او حصل على (هبرة) جيدة من تركة أسرته الثرية، وسوء حظي لم يهيئ لي مثل هذه الفرص، فلا احد طلبني للعمل بصفة جاسوس فرنسي مثلا او سوداني او موريتاني، ولا طبيعة مهنتي الصحفية فيها منفذ للرشوة، أما أسرتي فتعد على المستوى التاريخي من الأسر المؤسسة لمنظمة فقراء بلا حدود التي اقتبس اسمها لاحقاً صديقي الفقير ناظم السعود!! وهكذا ظلت أحلامي وارضي مركونة على أمل أن اكسب في يوم من الأيام ورقة يانصيب، او يتنازل لي مسؤول كبير عن راتب شهر واحد لشراء صوتي وأصوات عشيرتي قبل الانتخابات، او يبتسم لي الحظ واعمل حارسا ليليا في المنطقة الخضراء .... ولم يتحقق شيء من هذه الآمال !! قبل شهرين تقريبا، اتصل بي احد (الدلالين) وسألني ان كنت ارغب ببيع ارضي، فهناك شخص يريد شراءها، وهو مستعد لدفع (60) مليون دينار (بالطبع أوقف الرقم 60 مليون دينار دورتي الدموية) ولكنني أنصحك لوجه الله، ولأنك جاري وابن منطقتي، ان لا تبيعها بهذا السعر، لكونها تقع على شارع تجاري وتستحق ما بين ثمانين الى تسعين مليون، ولو انتظر سنة أخرى فالسعر يمكن ان يصل إلى 120 مليون دينار!! بالطبع تلكأت وتلعثمت و(تخربطت) أحوالي وكاد يغمى علي لان مثل هذه الأرقام غريبة على روحي وعقلي وذاكرتي، مع أنها لا تعادل أجور إيفاد لأي رأس كبير من بغداد إلى لبنان، وبعد أن استعدت وعيي شكرته كثيرا ووعدته بكيلو بقلاوة من النوع الجيد إذا نجح في بيع الأرض، ولا ادري لماذا ضحك الدلال حتى دمعت عيناه، وقال لي (أنت تخبل .. دمك خفيف) وما هي الا أيام قلائل حتى التقينا بالمشتري وتم الاتفاق معه على مبلغ (94) مليون دينار، ومثل هذا المبلغ كفيل بالقضاء على رغباتي الدفينة في العمل جاسوسا او مرتشيا او حارسا ليليا، مثلما هو كفيل بتحويلي من عميل قذر يبيع ناسه وشعبه إلى وطني لا يشق له غبار!! قضية صغيرة حالت دون عملية البيع، حيث استغل احد الأشخاص ارضي المتروكة، وبنى فوقها بيتا بسيطا من الطين ويرفض ترك المكان إلا بعد تعويضه مبلغا قدره مئة مليون دينار ثمن قصره كما يسميه، وقد تحدثت انا والدلال والخيرون بالحسنى ولكن من دون جدوى، فهو مصر على موقفه!! صديق إعلامي متحمس للعملية السياسية سألني (لماذا لا تبلغ الحكومة وهي تسترد حقك بالكامل؟) أجبته (لو كانت قادرة على إنصافي لاسترجعت أراضيها ومياهها التي استولت عليها الأردن وإيران والسعودية والكويت !!) قال لي: شنو رأيك لو أعزمك على (ضلوع مشوية) بالمنصور ؟!!
|