يقول المشتغلون في مجال الميثولوجيا، والمعتقدات الشعبية القديمة، إن الإنسان في وقت مبكر من ظهوره على كوكب الأرض، وجد في نفسه حاجة إلى نوع من القوى (الخارقة)، توفر له جملة من متطلبات الحياة العملية والنفسية، في مقدمتها حمايته من فتك الأعداء المباشرين، ديناصورات واسود وأفاعٍ وحيوانات مفترسة، ومن بطش الطبيعة الجبارة، صواعق وبراكين وزلازل وفيضانات، مثلما كان يلتمس منها أن توفر له أسباب الرزق، والحصول على شقة سكنية متواضعة في كهف امن، وزوجة صالحة لا تقسو عليه فوق قسوة الحيوانات والطبيعة، ومن هنا ابتكر لنفسه عددا من الآلهة والأرباب، كل واحد منهم أوكل إليه مهمة خاصة، ولابد أن هذه القوى الخارقة متمثلة بالآلهة والأرباب، ليست تكية خيرية ولا تقدم خدماتها بالمجان، وقد اقترحت البشرية ثمنا معنويا لها، او أجرا اعتباريا مجزيا، تمثل بعبادتها وطاعتها والتذلل إليها، وكان ذلك منشأ العبادة المبكرة قبل ظهور الأديان السماوية في مراحل لاحقة!! وهنا يجب الانتباه إلى أن أجدادنا القدامى كانوا أكثر انفتاحا وتقدمية من جيلنا الحالي، ومن قوانيننا ودساتيرنا، لأنهم لم يضعوا (كوته) للمرأة، ولم يجعلوا حصتها 25% ظلما وعدوانا، بل وزعوا مقاعد الآلهة بالتساوي وبحسب الكفاءة بين الإناث والذكور !! شهدت العبادات تطورات كبيرة عبر مسار البشرية الطويل، لعل أهمها ذلك التحول إلى الرومانسية العذبة في ابتكار الآلهة، فظهرت إلهات للجمال مثلا والخصب والحب والعلاقات العاطفية، ولكن أظرف ما توصلت إليه الإنسانية هو ابتكار آلهة مزدوجة الوظيفة، يتم صنعها من التمر أو المعجنات أو مبروش جوز الهند، يتم التضرع إليها عند الشدائد أو طلب العون, وتؤكل عند الجوع!! منذ عشرات الآلاف من السنين، حسمت الديانات السماوية، وخاصة الأممية منها (اليهودية والمسيحية والإسلامية)، هذه القضية الشائكة المعقدة، ووضعت الناس على الطريق السليمة، وخلصت من الشرك والأوثان والتشتت الذهني، لان هناك ربا واحدا سبحانه وتعالى، خلق السماء والأرض والكون وما عليه ومن فيه، هو وحده الذي يعبد وتنحني لعظمة جلاله وتخشع، الجباه والنفوس، ومع ذلك ظلت العبادة من حيث هي مفهوم عام، تشط عن الصواب، وعمد ابن ادم بعد أن تحرر من الوسطاء القدامى، وبعد أن حطم أصنامه وأوثانه، إلى أنواع مبتكرة من العبادات تتماشى مع عصره، وتتواءم مع النفس الأمارة بالسوء، وقد رأينا في العراق على سبيل المثال من كان يعبد الدينار أو الذهب، ومن يؤلّه الفرد، أو لا يقيم الصلاة إلا في محراب النساء، ورأينا لاحقا من يسجدون للدولار وينحنون أمامه، قبل أن تزوغ أبصارهم وقلوبهم وأفئدتهم نحــو الكرسي وكأنه ربهم الأعلى!!
|