ربما لم يحظ نظام عراقي بهذا الكم من الشتائم كما حظي النظام الملكي ولعل الذين يستذكرون الحملة التحريضية الواسعة بعد 1958 ضد تلك المرحلة يدركون حجم التشويه الذي نال النظام الملكي حقا وباطلا فقد ابتكروا له وصف (البائد) قبل ان يلحقوا بذمته انواع التهم والنعوت فهو رجعي اقطاعي متخلف وبذلك جردوه من اية تطلعات نحو لغة العصر وبناء الدولة الحديثة وهو كما وصفوه كذلك عميل ربط نفسه بحلف بغداد وبمعاهدات مع بريطانيا وبذلك جردوه من اية صفة وطنية . ومهما كانت نسبة الصواب والخطأ في ذلك (الخطاب) المضاد فان ثمة حقيقة كانت اقوى من الخطاب واكدتها معطيات الوثائق التاريخ وهي ان النظام الملكي بقدر ما تؤشر عليه خطايا كبيرة تسجل له فضائل كثيرة ويكفيه ان مفهوم الاقلية والاكثرية ومفردة (الاقليات) لم تكن من اجندة حكمه ابدا ولهذا كان احد اهم وزرائه (يهوديا) تولى حقيبة المالية وهي من اخطر الحقائب مثلما وصلت الى مواقع المسؤولية الاولى على عهده شتى الانتماءات الدينية والمذهبية والقومية بغض النظر عن حجمها او تعدادها السكاني واشهد بان هذا المنهج لم يتغير على عهد الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم حيث كان المبدأ العام للحياة يقوم على عنصري الوطنية والكفاءة . وربما لم يذل النظام في العالم من الشتائم ما ناله النظام الامريكي وقائمة رذائله وخطاياه لا تحصى ولا تعد والتفنن في رميه بالكبائر كان وما زال قائما على قدم وساق فهو زعيم الامبريالية ورمز العدوان على الشعوب وعنوان الاحتلال وقطب المؤامرات الاوحد وشيخ التخريب الثقافي والاخلاقية وجرثومة الغزو والدمار والجريمة والى اخر اسوأ النعوت ولكن النظام الامريكي ليس شرا مطلقا مع كل ما قيل فهو لا يخلوا من فضائل تحسب له وبعض تلك الفضائل تستحق الاحترما الكبير مهما كان موقفنا الغاضب من سلوكه واخطائه وفواحشه في العراق ويكفي انه لم ينظر الى اوباما المنحدر من اقلية اسلامية او اقلية كينية ولم ينظر الى لون بشرته ولو كان يقيم وزنا لمفهوم الاقليات لاصدر قانونا يقضي بعدم السماح له بالدخول الى البيت الابيض ولو كان الشعب الامريكي محكوما بمنطق الاقليات لوضع اصواته في الطرف الاخر من صناديق الاقتراع وهكذا كان فوز اوباما يمثل لهم بالمعيار العام انتصارا للوطنية والكفاءة وانتصارا للديمقراطية الحقيقية كل هذا يجري من حولنا داخليا وخارجيا وما زلنا نتحدث عن الاقليات بلهجة تخدش الحياء الوطني ونتجادل حول استحقاقهم هل هو مقعد او مقعدان ونستعين بالمشورة الاجنبية لتقديم العون على حل مشكلتهم وكانهم نتوءات على جسد العراق وتخضع في اوج ديمقراطيتنا الى صوت العشيرة الكامن في اعماقنا : (جاهل من الاكثرية ولا عالم من الاقلية ) .
|