يتمتع فن الكاريكاتير بقدرة عالية واستثنائية على اختزال اية فكرة او موضوع قد يستغرق عند الكاتب ارب عاو خمس صفحات ببضعة خطوط تصل الى ذهن المتلقي ، ممزوجة بشيء من الامتاع ذلك لان الرسام لا يعنى كما يعنى الكاتب عادة عادة بالمقدمة والتفاصيل المعلومات وانما بجوهر الفكرة المكلف الى اعلى درجات التكثيف ولكن لا يصح القول في هذا المجال ان (اللوحة) تعوض عن المادة الكتابية او تلغيها او تكون بديلا عنها ولكن يصح القول انها تنافسها كثيرا في بلوغ الهدف وتختلف عنها كثيرا في وسيلة الوصول الى الهدف ومع هذا فالاحتكام الواقعي الى مقارنة بين مقالة تحظى بنسبة 99% من الجودة ، وبين لوحة تحظى بالنسبة ذاتها يشير الى ان الذي يعلق في ذاكرة المتلقي ويرسخ في ذهنه مدة زمنية طويلة ، قد تمتد الى عقود ، هو العمل الكاريكاتيري بسبب قدرته العالية على اختصار او اختزال الحدث كما اسلفت وامكانية الحفاظ عليه من التشظي ومعلوم ان حاسة البصر هنا عنصر يحسب لصالح هذا الفن ، ومن هنا تقترب اللوحة الناجحة من الومضة او الضربة ومن بيت الشعر والحكمة والقول الماثور لانها (اكثر) الاشياء باقل الادوات !.ورسامو الكاريكاتير مثلما هم كتاب المقالة اربعة انواع الاول يمتلك تقنية عالية وفكرة هابطة ، والثاني بخلاف الاول والثالث يفتقر اليهما معا والرابع يجمع بين تقنيات الخطوط والالمام بالنسب الفنية ، وبين الافكار القادرة على ترك بصماتها المؤثرة عند المتلقي، وهذا النوع، هو الذي يستقر في اللاوعي والذاكرة عشرات السنين لو اردت الكتابة في احدى مقالاتي مثلا عن الكيفية التي يتعامل بها المسؤول في النظام السابق مع راي المواطن و الكيفية التي يتعامل بها اليوم، فسوف اضطر الى تقديم توصيفات طويلة عريضة لصورة النظام الدكتاتوري البائد، ثم توصيفات طويلة عريضة لصورة الديمقراطية اليوم ، وما بات يتمتع به المواطن من حرية مفتوحة الافاق للتعبير عن وجهة نظره او رايه في اية قضية مهما عظم شانها حتى لو كانت تخص الرئاسات الثلاث ، او مسؤولا ( رفيع) المستوى ، وقد يكلفني هذا 500 كلمة ، ويكلف القاريء جهدا مماثلا بينما يستطيع الرسام اختزال هذا الكم الهائل من الكلمات والجمل وما يمكن ان يتخللها من اخطاء مطبعية تربك المعنى ويقدم لوحة بسيطة على سبيل المثال لاحد معامل القطن ويجعل له بوابتين الاولى يقف امامها مسؤول سابق يملا فم المواطن بالقطن ، والثانية يقف امامها مواطن مفتوح الفم ، يقول ما يريد وما يشتهي ، بينما يظهر المسؤول المعاصر منشغلا بوضع مزيد من القطن في اذنيه لكي لا يسمع اي صوت ، وهذا هو الفرق الرئيس بين الرسام والكاتب !!.
|