منذ طفولته وهو يعشق المسؤولية وحب التسلط على الاخرين ، وكانت هذه النزعة تسري في عروقه وكأنها جزء من حياته الوراثية ولذلك سعى ايام الدراسة الابتدائية الى التقرب من المدير والمعلمين والتملق لهم بصورة مفضوحة من اجل ان يكون (مراقبا) ومراقب الصف كما هو معروف يمتلك نوعا من الامتياز ـ وان كان سخيفا ـ يجعله الوسيط والمسؤول عن تلاميذه امام المعلم والادارة !.
ولم تتراجع هذه النزعة او تخفت في مرحلة الدراسة الاعدادية ، فقد كان يجاهد بكل الوسائل من اجل ان يتولى المركز القيادي الاول في التنظيمات او الاتحادات الطلابية ، من دون ان يكون في قرارة نفسه مقتنعا ، لا بهدف سياسي ولا موقف مبدئي او مهني ، وباختصار لم يكن معنيا بأمر يشغل باله في هذه الدنيا الطويلة العريضة ، سوى اشباع رغبة جنونية في اعماقه !.
عندما بلغ صاحبنا المرحلة الجامعية بلغ اندفاعه نحو السلطة والتسلط حد الهوس ، ولكن مع كثير من الوعي هذه المرة ، بحكم العمر والتجربة وزيادة المعرفة وقد زاد من هوسه ، انه بات يرى نفسه اقدر واكفأ من الاخرين على تحمل المسؤولية والقيادة ، ولابد من انه كان محقا في بعض ما يراه ، فثمة من هم في المواقع المتقدمة ، لا يصلحون حتى للمواقع الدنيا ، ولا لاي حجم او نوع من المسؤولية ، وكان شعوره المتنامي بانه هو الاحق ، او ان غيره استحوذ على حقه في مواقع القيادة والمسؤولية ، قد اورثه الحزن والقلق ، ودفعه اكثر من مرة الى التصرف بحماقة ، كان من نتائجها ، تعرضه في احد المرات الى التوقيف مدة 72 ساعة ، غادر التوقيف بعدها وهو يثرثر ويهذي بلغة السجون والمعتقلات والمفصولين السياسيين، مع تصاعد عال في نبرة المطالبة (العلنية) بموقع من مواقع السلطة وان كان دون الطموح ، على امل ان يكون خطوة اولى عن طريق الصعود الى مواقع اعلى واعلى ، ولكن دون جدوى ، وذهبت مساعيه وتملقاته ومحاولاته ادراج الرياح ! وهكذا ذبل الرجل وتراجعت صحته وعجزت المستشفيات العامة والخاصة عن تشخيص علته الى ان تدخل الدكتور قاسم حسين صالح ، استاذ علم نفس الشخصية ووضع يده على المشكلة الحقيقية ، وقام جزاه الله خيرا عن عشاق السلطة بواسطة كريمة ومشروعه لمريضه ، وتم تعيينه مسؤولا من مسؤولي (السلطة الرابعة) ، ما كان الرجل يتولاها حتى شفي من مرضه وعادت اليه عافيته ، الا انه بعد شهرين فقط ادرك ورطة العلاج الذي أوصى به الدكتور صالح ، بعد اكتشافه ، ان السلطة الرابعة ، هي الوحيدة التي لا تمتلك سلطة !!.
|