بدعوة كريمة من عميد كلية الإعلام وأربعة من زملائي الأساتذة في الكلية ، وهم من اعز أصدقائي ، القيت محاضرة على نخبة مختارة من الطلبة ، وقد ترك لي السيد العميد مشكورا حرية اختيار الموضوع ولذلك وبعد تفكير طويل ، رأيت ان ابتعد عن الموضوعات التقليدية كالحديث عن تجربتي الصحفية او أهمية الخبر الصحفي في بناء المجتمعات السكنية او تأثير الفضائيات في التأجيج الطائفي، لان الطلبة شبعوا وملوا من هذه الأحاديث المكررة التي يسمعونها يوميا سواء من أساتذتهم ام عبر وسائل الإعلام ، وهكذا توصلت إلى فكرة طريفة وفنطازية وربما صادمه بعض الشيء ووضعت لها العنوان التالي (احذر ان تكون وزيرا) ويبدوا ان اختياري لعنوان المحاضرة كان ناجحا بصورة استثنائية ، حيث بلغ عدد الحضور من الأساتذة الأفاضل والطلبة الأعزاء عشرة أضعاف المدعوين رسميا ، الى الحد الذي غصت فيه القاعة ما يكون الى صلاة الجمعة او صلاة العيد او الصلاة الموحدة !!.ولكي تتوفر محاضرتي على اعظم قدر من التشويق والاستفزاز، فقد بدأت حديثي من النتيجة النهائية ، ثم عدت الى تقديم الأسباب ، وقلت لهم ان مفردة (وزير) هي عنوان يعبر عن نوع العمل كما نقول محاسب او معلم او ملاحظ ، ولا يمتلك هذا العنوان اية ميزة خاصة به سوى انه يحتل مرتبة متقدمة في جدول السلم الوظيفي وانا احذر أبنائي الطلبة من التفكير بهذه المرتبة او الدرجة الوظيفية لانها العن درجة في تاريخ الوظائف العراقية !!.ثم واصلت كلامي قائلا : تعرفون ان العملية السياسية تتكون من طرفين ، هما الحكومة والبرلمان ، مثلما تعرفون ان الحكومة يمثلها (الوزير) والبرلمان يمثله ( النائب) وعلى وفق الدستور ومعطيات الديمقراطية لا تمتلك الحكومة شيئا بينما يمتلك البرلمان حق الرقابة على الحكومة ومحاسبتها او معاقبتها او اقالتها ، مثلما يمتلك صلاحية استضافة الوزير واستجوابه بطريقة عدوانية احيانا ، وقد يحجب الثقة عنه وقد يحيله الى القضاء او التقاعد ، ولا تتوقف متاعب الوزير عند هذا الحد ، فرئيس الوزراء بدوره يراقب اداءه عن كثب ويحاسبه على اي تقصير في وزارته وفوق هذا وذاك فان وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني تحاصره بالنقد مرة والانتقاد مرة أخرى ، ولا يتوانى بعض الفقراء والمحتاجين من الدعاء عليه علانية او في حضرة الأئمة او في قلوبهم واسوا من ذلك كله فان الإرهابيين يتصدون موكبه ويريدون به سوءا، وهكذا تلاحظون ان الوزير هو اكثر موظفي الدولة تعرضا للظلم والاضطهاد والأذى ، ومع ذلك تتقاتل الكتل البرلمانية على الوزارات خاصة السيادية أنصحكم أبنائي الحلوين وأحذركم في الوقت نفسه من التفكير بمنصب (وزير) او جعله على رأس أحلامكم المستقبلية !.
حين انتهيت من المحاضرة لم يصفق لي سوى خمسة أساتذة من ضمنهم العميد تصفيقا باردا لعله لإغراض المجاملة ، بعدها بدأ نقاش حيث وقف احد الطلبة وخاطبني بلهجة لا تخلو من سخرية (جنابك الكريم تمنع علينا حتى أحلامنا البسيطة في تولي منصب وزاري .. لماذا ؟ هل تريد الاستئثار به لنفسك ام تخشى ان ننافسك عليه ) وضج الحاضرون في القاعة وخارجها بالتصفيق المدوي والهتافات المحرضة ضدي ، راحوا يرمونني بكل رخيص بين أيديهم من كتب وملازم وأقلام ، ولولا وقفة العميد والأساتذة وحضور حرس الكلية وإبعادي عن المكان بسرعة لتوزع دمي بين القبائل !!.
|