صحيح ان عموم المواطنين البسطاء، وخاصة ابناء المناطق الفقيرة والأحياء الشعبية، تنقصهم الفذلكة الكلامية ويفتقرون الى القدرات اللغوية التي يتمتع بها السياسيون والمثقفون ، ولذلك لا يستطيعون إيصال أفكارهم، او التعبير عن مشاعرهم بالصورة المطلوبة ولكن من الصحيح كذلك ، ان مفرداتهم البسيطة وأساليب تعبيرهم الشعبية تحمل في طياتها عفوية عالية، وفي هذه العفوية يكمن صدق كبير ونقي وبريء، وخال من التعقيد والتأويل، واللعب بالكلام وإذا أراد الواحد منهم ان ياتي بمثل او تشبيه بلاغي او قول، فانه لا يستعين بمقولة لارسطو او ماركيز او سارتر او نابليون، بل يعمد الى تجربته الحياتية وذاكرته الشعبية ومعطياته البيئية !! من طريف ما يحضرني هنا ، ان أهل الصحافة والإعلام والثقافة والسياسة تفننوا في نعت المرشحين للانتخابات، وابتكروا مئات التوصيفات والتشبيهات لهم قبل الانتخابات، وكيف تهطل وعودهم أمطارا تبشر بالزرع والضرع، وورودا لها نكهة الربيع وعطره الطيب، فإذا أمطارهم وورودهم وربيعهم بعد رحيل موسم الانتخابات ، شتاء زمهرير، وفيضانات وصخرة عبعوب ، ولكن البلاغة الشعبية ومخيلة الناس البسطاء، ابتكرت وصفا رائعا لهم، نابعا من تجربتهم الحياتية فقد سمعت احدهم يقول (المرشح للانتخابات في العراق مثل ام العريس) ، لان ام العريس حين تخطب فتاة لابنها، على حد تعبيره تغرق الفتاة وأسرتها بالوعود والكلام المعسول، وأنها ستراعي عروس ابنها وتدلعها وتضعها في (بطن عينها) وتعاملها مثل ابنتها او اعز منها وأكثر، حتى اذا انتقلت الفتاة المسكينة الى عش الزوجية، تحولت ام العريس الى (عمة) دكتاتورية متسلطة، تري (كنتها) نجوم الظهر، ولا تطيق حتى سماع اسمها، وتفضل رؤية الجن الأزرق على رؤيتها، اما وعودها وكلامها المعسول فتذروه الرياح ويصبح أثرا بعد عين ! هؤلاء هم بسطاء الناس، يستنبطون كل شيء من خبرتهم، وموروثهم وواقعهم لا يتصنعون ولا يتحذلقون ولا يتعبون رؤوسهم في البحث عن المصطلحات والصياغات المنمقة والتعابير المزوقة، وغالبا ما تاتي تعليقاتهم العفوية مطعمة بقدر من المزاح، وروح النكتة العابرة فقبل يومين كنت اقف في (الصف) الطويل أمام فرن الصمون بانتظار دوري، وقد لاحظت مع الآخرين، ان صاحب الفرن رفع لافته قماش كبيرة على واجهة الفرن كتب فوقها (بشرى سارة الى المواطنين ... ابتداء من يوم غد ، ستكون كل 10 صمونات بألف دينار، بدلا من 8 صمونات) وقد سأل احد الواقفين عن سبب تخفيض سعر الصمون، فرد عليه رجل من الحاضرين على الفور، (يمكن الاخ ابو الفرن مرشح نفسه للانتخابات) ، وسرت بين الحضور قهقهة عالية ، وسرعان ما اتسعت دائرة التعليقات الظريفة ، التي قدمت ادق صورة عن مشاعر الناس الصادقة !!.
|