الكلام الذي يصدر عن مواطن اعتيادي ، يمكن ان يحتمل او لا يثير الدهشة ، ولكن الامر ليس كذلك حين يصدر عن مسؤول ، ذلك لان المواطن يمثل نفسه ولا يعبر عن الاخرين وارائهم ، بينما يمثل المسؤول رأي الدولة ، وفي الحد الادنى قد يعبر عن موقف حزب او كتلة ، واعتراف انني كنت وما زلت استغرب من مسؤولين في الحكومة او العملية السياسية وهم احد مكوناتها . انا لست ضد النقد الذي يمارسه المسؤول مهما كان قاسيا ، واحترم اولئك الذين يقفون في البرلمان او مجلس الوزراء في اي مشهد من مشاهد العملية السياسية، ويقولون كلمتهم بأعلى أصواتهم ، ولكن ان يتحول من قناته الطبيعية الى قناة الفضائية ، فهذا يؤشر احد أمرين ، أما أن هذا المسؤول لا يمتلك الجرأة للإفصاح عن وجهة نظره التي يعتقد انها سليمة ، ويضطر الى (الفضفضة) عن وجعه الداخلي في الفضائية ، والمسؤول الذي تنقصه الشجاعة لا يستحق ان يبقى في موقعه، وأما انه يتحدث فعلا بأعلى صوته ويؤشر مواطن الخلل مرة بعد مرة ، حتى يصل الى يقين ، ان الطرف الآخر مصر في الخطأ عن قصد ، وانه ينوي الإضرار بالشعب لحساب مصلحته ، وفي هذه الحالة يتوجب عليه الظهور في الاعلام لكي يفضح ويكشف ويعري ويطلع الرأي العام على ما يدور في السر ووراء الكواليس ، ولكن عليه ان يكمل مشواره الوطني ويبرأ بنفسه وتاريخه وموقفه ، ويعلن عن استقالته او انسحابه تعبيرا عن احتجاجه سلميا وديمقراطيا ، وعلى الجماهير ان تؤدي دورها المطلوب. ما من مرة رأيت مسؤولا على فضائية يولول ويتشكى الا وشعرت بالنرفزة وسألته منزعجا (يا أستاذنا الفاضل ، أنت المسؤول ام نحن أولاد الخايبة ، ولماذا لا تعالج المشكلة من موقعك ، هل تنتظر ان نعالجها نيابة عنك ؟ ) وما من مرة رأيت مثل هذا المسؤول الا وتذكرت حكاية تعود الى العصر العثماني ، مفادها ان احد المواطنين كان يتمنى لو اصبح واليا لمدة يوم واحد لكي يصلح احوال البلد على افضل صورة ، وكان يردد امنيته كثيرا على مسامع الناس وفي كل مجلس يرتاده حتى وصلت حكايته الى الوالي الذي قام بأستدعائه ، وقال له (سأتخلى عن منصبي وتصبح انت الوالي وتتسلم صلاحياتي بالكامل لمدة 24 ساعة ، افضل ما تشاء) وغادر الوالي مقره الرسمي ، وجلس المواطن مكانه واليا بصلاحيات مطلقة ، وبعد مرور 24 ساعة عاد الوالي وسأله ( الان وقد انتهت ولايتك .. ماذا فعلت وماذا غيرت) رد عليه المواطن ( لم افعل اي شيء لان هذه الثريا الضخمة التي تتدلى فوق رأسي مربوطة بحبل متهرئ ويمكن ان تسقط في اية لحظة وتقتلني ، ولهذا أمضيت الوقت قلقا لا أفكر الا بسلامتي) ابتسم الوالي وقال له (لست مؤهلا للمسؤولية يا بني ولا تصلح لها ، فأنت الوالي وبيدك الصلاحيات جميعها ، لماذا لم تأمر الحاشية برفع الثريا او تبديل الحبل ؟!) وتنبه المواطن او الوالي المؤقت الى هذه الحقيقة المفجعة ، ومن يومها لزم الصمت !! (ادين بهذه الحكاية للزميل العزيز الأستاذ عبد الرسول حسين).
|