لعل الكسل وحده هو الذي منعني عن البحث عن أصل مفردة (روتين) واشتقاقها ، هل جذرها عربي او يوناني او لاتيني ، أم إنها مشتقة من (روتانا سينما) لان المواطن الذي تدفعه الضرورة القصوى الى مراجعة دوائر الدولة يتعرض الى العجائب ، حيث يلعب به الموظفون (طوبة) ويجعلون منه كما يقال فيلما سينمائيا !!. على اية حال ، هناك حقائق ثابتة لا مجال لتباين الآراء حولها ، في المقدمة منها ان الروتين ظاهرة اممية لا يمكن تبرئة بلد منها ، سواء كان هذا البلد في الشمال الشرقي من قارة اوربا ام كان في الجنوب الغربي من قارة اسيا ، ولكن نسبة التعاطي معه تتفاوت من مكان الى مكان اخر ، ومن دولة الى اخرى ، فقد تكون النسبة هنا واحدا بالعشرة وهناك واحدا بالمليون ، وشتان بين النسبتين ، لانها في الحالة الثانية لا تكاد تذكر ، وفي هذا المجال يصح التذكير بان الدراسات العلمية الصادرة عن العديد من المراكز البحثية ، افادت بان واحدا عن اهم عوامل التراجع والانكماش التي تعاني منها اغلب دول العالم الثالث هو استشراء الروتين القاتل في تعاملاتها الداخلية والخارجية . الامبراطورية العربية الاسلامية على ما يبدوا عرفت منذ وقت مبكر هذا السلوك الاداري بين موظفيها ، فقد قرأت في العقد الفريد ، ما لم تخذلني الذاكرة ، ان الخليفة الاستثنائي عمر بن عبد العزيز ، عانى الأمرين من روتين احد ولاته ، ولذلك كتب اليه معنفا ومؤنبا ، ما معناه لو طلبت منك ان تقدم بقرة للرجل الفقير فلان مساعدة له ، لسألتني هل تقدم عجلا او بقرة حلوبا او ثورا ، ولو قلت لك ، قدم له بقرة حلوبا لرددت على كتابي تسأل : هل البقرة سمينة ام ضعيفة ، والله انك لا تصلح للولاية والعناية بأمور الرعية ثم عزله ! حدثني صديق يميل الى المبالغة في حديثة من باب التزويق والإمتاع والتحلية انه قصد ذات يوم احدى دوائر الدولة في أمر من الأمور ، وكان عليه ان يملا استمارة تتضمن جملة من المعلومات كالاسم الثلاثي ، والتولد ومسقط الرأس ، وعنوان العمل والتحصيل الدراسي ورقم شهادة الجنسية ... الخ وبعد ان انتهى منها وكتب اسمه الثلاثي ولقبه وامضاءه ، سلمها الى الموظف الذي اطلع عليها بتمعن ثم اعادها اليه قائلا : (المعلومات غير كاملة ، فأنت لم تذكر في حقل «عنوان العمل « هل آنت موظف في قطاع مختلط او شركة او حكومة ) يقول صديقي : اخذت الاستمارة وكتبت امام الحقل المطلوب موظف حكومي الا ان الرجل بعد الاطلاع عليها اعادها اليه ثانية المعلومات غير كاملة فأنت لم تذكر هل انت موظف حكومي تابع الى حكومة المركز ام حكومة الاقليم ام الحكومة المحلية اعتقد ان صديقي كان يمزح بالتأكيد ولكنني أتوقع ما هو اسوأ من ذلك في دوائر الدولة !.
|