بعد المسيرة الانسانية الطويلة وما حققته من تطورات كبيرة، وظهور الاف المهن والحرف كان على اللغة ان تطور نفسها كذلك ، وهذا ما فعلته حقا ، حتى بتنا نسمع على سبيل المثال ، ان هذه اللغة قاموسية وتلك حديثة ، وتبع ذلك نوع من التخصص في كل شيء تعبر عنه مجموعة مفردات بحيث نستطيع القول ، ان هذه لغة العاملين في مجال القانون او الفن او الطب او الاقتصاد او الدين ، مثلما نستطيع التمييز عبر تلك المفردات بين لغة المتعلم والمثقف وابن العائلة ، وبين لغة الامي والجاهل وابن الشارع !. ولكي اقرب الصورة من الاذهان ، اخترت مهنة الصحافة نموذجا فقد شاعت فيها اربع مفردات ـ اكثر من غيرها ـ شيوعا لافتا للنظر الى الحد الذي يتردد ذكرها في الجرايد والمجلات والمطوعات العراقية مئات المرات بصورة يومية ، واولى تلك المفردات هي (ناشد) على غرار ناشد سكان القرى الواقعة على ضفتي دجلة والفرات ، الجهات المعنية الى ايجاد حلول جذرية وعاجلة لمشكلة المياه والجفاف والملوحة ، وما يترتب على ذلك من مخاطر مدمرة على الانسان والبيئة والثروة النباتية والحيوانية .. الخ وثانيها مفردة (طالب) ، على غرار طالب موظفو او منتسبو الدائرة الفلانية والفلانية والفلانية بصرف مخصصاتهم ورواتبهم الشهرية التي لم تصرف منذ ثلاثة اشهر او خمسة او ثمانية او طالب خريجو المعاهد الصحية والتربوية تعيينهم في دوائر الدولة بعد انتظار ثلاث سنوات من البطالة ... الخ ! المفردة الثالثة هي (دعا) ، على غرار دعا المسؤول الفلاني الى اعتماد القائمة المفتوحة ، او دعا المسؤول الفلاني الى توفير السكن اللائق لكل مواطن ، او دعا المسؤول الفلاني الى اعادة النظر في رواتب المتقاعدين المجحفة ، او دعا المسؤول الفلاني الى ضبط الحدود مع دول الجوار او الى تفعيل دور هيأة النزاهة ومحاربة الفساد والمفسدين ، او دعا المسؤول الفلاني الى توفير المياه الصالحة للشرب وتحسين الطاقة الكهربائية، ومعالجة شبكة المياه الثقيلة استعدادا لموسم الشتاء او دعا المسؤول الفلاني اجراء تخفيضات بنسبة 50% على رواتب الرئاسات الثلاث والنواب وكبار المسؤولين بهدف الافادة منها لتحسين مفردات البطاقة التموينية كما ونوعا (يلاحظ على المسؤول الاخير جزاه الله خيرا على دعوته، انه يتجنب الاشارة الى ان تلك الرواتب هي من علو الهامة والقامة والضخامة الى الحد الذي تبدوا امامها مداخيل الموظفين والمواطنين اقزاما مشوهه) ودعا المسؤول الفلاني الى كذا وكذا وكذا الى اخر ما تتضمنه قائمة الدعوات الطيبات الصالحات التي تنشط عادة قبل الانتخابات !!. اما المفردة الرابعة وهي ـ كما يفترض ـ الاكثر استعمالا في لغة الصحافة فانها على نوعين (انجزت) و (نفذت) ، الا ان النوعين غائبان وفي حدود مسموعاتي يقال : تم ترحيلهما الى المجلس النيابي المقبل !!.
|