في ذروة الحرب العراقية ـ الإيرانية، هرب ابن أختي عبد الجبار من الخدمة العسكرية، ولم تنفع معه نصائحي ومواعظي الحسنة حول الوطن العزيز وواجبنا في حمايته والدفاع عنه، فقد قال لي بالحرف الواحد: (خالو يا واجب يا حماية يا دفاع.. روحي اعز من الوطن)، وهكذا باع ذهب أمه، ودفع مبلغا كبيرا ودبر أمره واستطاع الوصول الى إحدى الدول الأوروبية، وحصل على لجوء سياسي، مع انه كان (أطرش بالزفة) في أمور السياسة ! تحقق له هناك كل شيء، وأكثر مما كان يفكر أو يطمح، الجنسية والعمل وزوجة سويدية وشقة سكنية، ومع سعادات الحياة الجديدة، نسي كل شيء حتى امه فما عاد يتصل بها إلا عند (التفاطين)، أما زيارة بلده وأسرته فكانت ابعد ما يكون عن باله، ومع ذلك جاء إلى العراق نهاية العام الماضي على مضض لحضور فاتحة والده. التقيت به غير مرة، ودعوته إلى العشاء ذات ليلة خارج البيت، وقد صادف في أثناء عبورنا جسر الجمهورية من جانب الكرخ، متوجهين الى احد مطاعم ابي نؤاس، ان استرعت انتباهه التحصينات الأمنية والعوارض الكونكريتية والحواجز العالية المحيطة بالمنطقة الخضراء، فسألني بما يشبه الاستغراب، ان كانت توجد وراء هذه الحواجز منشأة نووية، او منشأة عسكرية بالغة الحساسية.. فلم أتمالك نفسي من الضحك، وقلت له: هذه هي (المنطقة الخضراء)، ويبدو ان هذه التسمية كانت غريبة عليه، ولذلك شرحت له بالتفصيل طبيعة هذا المكان، وانه يضم الحكومة واطراف العملية السياسية، والبرلمان وفيه تطبخ القرارات التاريخية والمصيرية، وعنه تصدر التصريحات والاوامر... الخ ولهذا فانه مسيج بحواجز كونكريتية شديدة الارتفاع، ومحاط بالعديد من نقاط الحراسة والسيطرة والتفتيش، هذا غير كاميرات المراقبة والكلاب البوليسية، والطرق والمنافذ المؤدية إليه محكمة الإغلاق بالعساكر والدبابات والأسلاك الشائكة، والمواطن يتجنب الاقتراب من هذا المكان، ولا ادري ان كنت قد بالغت بعض الشيء، ام أن وصفي كان دون الحقيقة، ولكن ابن اختي لم يكن يصدق ما يسمع، وأظن ان الصورة الامنية، ولدت عنده قدرا كبيرا من الخوف ! بعد يومين على ذلك اللقاء التقينا من جديد، ونقل لي ابن أختي دهشته لأنه رأى في بغداد الكثير من (المناطق الخضر)، وسألني إن كانت هناك منطقة واحدة ام عدة مناطق، وقد أربكني سؤاله قبل ان استذكر انه قد مر حتما بالكثير من المنازل التي يتحاشى المواطن الاقتراب منها، وتحمل مواصفات المنطقة الخضراء نفسها، ويسكنها كبار المسؤولين !!
|