منذ نجحت الديمقراطية الأمريكية في توزيع العراقيين، بين مهاجر الى الخارج او مهجر في الداخل ، ومنذ نجاحها في ابتكار السنة والشيعة والكواتم والزرقاوي وداعش الاقليات ، أقول : منذ ذلك النجاح ، دأبت على ترك نافذتي مغلقة مع العالم الخارجي ، لا افتحها الا مرة واحدة ، ضمن يوم محدد من كل شهر ، استقبل فيه مجموعة من الأصدقاء الإعلاميين ، وعلى وفق أربعة شروط ، أولها ان لا يكون مشمولا بقانون اجتثاث البعث وتعديلاته ، وثانيها ان لا يكون من ابواق النظام السابق او أزلامه ، وثالثها ان لا يكون طرفا من أطراف العملية السياسية ، سواء في الحكومة ام المعارضة ، ورابعها ان لا يكون مخبرا سريا في الوقت الحاضر ، او من كتاب التقارير في السابقة ، ذلك لان هذه الشروط تجعلني بعيدا عن متاعب الحكومة وخصومها على حد سواء، وتضمن لي وللآخرين ، الصحة والسلامة وراحة البال !!. كنا في تلك اللقاءات نتناول شتى المواضيع ، من زواج المراهقات الى استيراد الدندرمة ومن السياسة الى مصارعة الثيران ، وكانت آخر جلسة . لنا قد تناولت الفساد ، كونها القضية الساخنة دائما ، واذكر إنني قلت ما معناه (يا جماعة .. مفردة الفساد ارتبطت في ذهني بمدلول أخلاقي فقط ، أي أن الفاسد هو (الساقط) او (الساقطة) ولذلك تبدوا الاستعمالات الحديثة غريبة على معلوماتي وذاكرتي ، كنا نقول فساد مالي او اداري ، ولا أخفيكم سرا ان المفهوم الجديد للمفردة ذو دلالة استعارية بلاغية جميلة) ، وقد ايدني في ذلك اغلب الحاضرين، حتى ان احدهم اوضح الفكرة افضل مني عندما قال (الفساد الاخلاقي هو بدوره استعمال بلاغي استعاري ، لان أصل المفردة جاء وصفا للأشياء الفاسدة ، كاللبن الفاسد او الطعام او البيضة الفاسدة ، في إشارة إلى انها غير صالحة للاستهلاك ، وتصد عنها رائحة عفنة ، ومن هنا جاء التشبيه للإنسان الفاسد أخلاقيا او ماليا او إداريا أو سياسيا !) وقيل كلام كثير ، حتى إذا (أشبعنا) القضية نقاشا، انتقلنا الى موضوع ثان يتعلق بهموم المهنة وأجهزة الإعلام ، وقد استغرب الحاضرون من خطاب الفضائيات العراقية ، وطريقة نقلها للأخبار ، فهذه تجعل من العراق جنة وهذه تجعل منه أشبه بجهنم، اما الحقيقة الغائبة ، فضائياتنا تكذب حتى في اعداد الشهداء وعلق احدهم ( أنها إخبار فاسدة) ، وضحكنا ثم ضحكنا اقوى على تعليق اخر (انها اخبار فاسدة في فضاء فاسد) ، وقد فهم اغلبنا مفردة (فضاء) على أنها إشارة إلى الفضائيات ، ولكن فئة قليلة ـ وهم نوماء بالتأكيد ـ ذهبت بالمفردة الى معنى خبيث ، ومن المؤسف ان يكون رجل ملتزم مثلي من هذه الفئة القليلة !!.
|