في عام 1997 دعاني احد الزملاء لحضور مؤتمر صحفي تقيمه وزارة الكهرباء، ولكي يحبب الحضور الى نفسي لمعرفته إنني أتحاشى المؤتمرات بسبب قناعتي، ان أي مسؤول يتحدث في المؤتمر، ينظر إلى الصحفيين على أنهم مجموعة من المستمعين يدونون في أوراقهم ما يود إملاءه عليهم من معلومات يجب تصديقها ولو بالعين الحمراء، ولهذا كنت افضل ملازمة البيت على (إغواء) المؤتمر وما يدره من هدايا مالية تستحق احتمال المسؤول !! فقد اخبرني أن الجلسة ستكون بعد الإفطار (كنا في الشهر الكريم)، وهي اقرب ما تكون الى أمسية رمضانية، منها إلى جلسة رسمية! الحق استمتعت بلقاء العديد من زملائي الذين استمتعوا بأفضل أنواع الزلابية وتوابعها التي لم أذقها، فانا لا اشتهي في رمضان غير الشاي، وكنت افكر ان المشرفين لن يفوتهم ذلك، ولكن اعتقادي لم يكن في محله، ولو أنهم سقوني في تلك الليلة الباردة، قدحا من الشاي الساخن المهيل، كتبت أجمل ما يمكن بحق الكهرباء والوزير والسيد الرئيس، وهكذا وجدت ذهني شاردا بينما المدراء العامون يفيضون بالشرح عن الميكاواطات والمتوفر والحاجة والحصار والأرقام التي تدوخ الرأس.. وانتهت (المحاضرة) وأدركت في نهايتها أن لا مجال لأي تحسن او أمل في تجاوز محنة الكهرباء. حديث رسمي طالما سمعت وقرأت الكثير عنه، وكنت كلما تقدم الوقت وتضاعفت حاجتي الى كوب شاي، ازداد حقدا على مسؤولي المؤتمر، وعلى زميلي الذي ورطني ورطة لا احسد عليها، ثم بدأت اسئلة الزملاء تنهال، واغلبها تمت الإجابة عليها ضمنا، وكنت ما أزال منكفئا على ذاتي، اتابع الوقائع بضجر حين فاجاني احد المدراء (لم تسمع الاستاذ، وما اذا كان لديه استفسار او ملاحظة!) ويبدو ان شعري الابيض وحقيبتي الدبلوماسية وربطة العنق المستعارة، هي التي اوقعتهم في هذا الوهم، ومنحتني لقب (استاذ)، ولو كان الرجل يدرك درجة الحقد التي بلغتها وان الأستاذ لم يهيئ، ولم يتهيأ لأي سؤال، لما أحرجني بتلك الطريقة الأخلاقية المهذبة!! تنحنحت مقلدا زملائي، وطرحت عليه سؤالا، لا ادري كيف خطر على بالي (إذا كان وضع الكهرباء على هذه الصورة المحزنة، فكيف لا تنقطع في أعياد الحزب القائد وميلاد السيد الرئيس حفظه الله ورعاه لمدة 3 او 4 ايام متواصلة؟!)، وافضت في شرح السؤال على الرغم من السلوك اللا اخلاقي السمج لأحد الزملاء وهو يغمز لي بعينه مرة، ويقوم بحركات مريبة مرة أخرى! اصفر قلبه من السؤال، وتكهرب الجو، ولعنت نفسي، فانا والله ما قصدت إحراج الرجل الذي تحدث طويلا من غير أن يقترب من سؤالي ـ وكان على حق ـ وفي وقت متأخر من تلك الليلة كتبت موضوعا أثار بعد نشره غضبا أدى الى حجب الهدايا المالية عن الجميع، تحدثت فيه عن الظلام الدامس المحيق بالمنطقة التي ينهض فيها مبنى وزارة الكهرباء، فيما كانت الوزارة هي صاحبة المبنى الوحيد الفارق بالضوء بعيدا عن اي ترشيد تطالب به المواطنين!! بالطبع تغير وضع المؤتمرات بعد 2003، لان الديمقراطية وحريات التعبير منحت الصحفي فرصة طرح اي سؤال من دون خوف، مثلما منحت المسؤول حرية التصريح صباحا بمعلومة مهمة يتنكر لها مساء!!ملاحظة : اكتشفت بعد انتهاء المؤتمر أن الزميل الذي كان يعاكسني بطريقة مشبوهة، إنما كان يحاول تنبيهي إلى منعي من التمادي في طرح أسئلة قد تؤدي إلى التهلكة، بينما ظننت به سوءاً وبعض الظن إثم .. وأنا مدين له بتلك الغمزة الجميلة!!
|