1 / 1 / 2013، لا اصدق أن أحداً غيرنا ابتكر كتابة الرسائل، ثم نتساءل: ألا يكفينا هذا التجوال الصباحي في الشوارع المترعات برائحة القداح وقصور المترفين، وبين قاعة الرواق والدروبي حتى نلقي الرحل عند “حوار” قاسم سبتي وثرثرات المثقفين؟ وفي الاماسي المحلقة بالأحلام بيت صغير أو كوخ بسيط لا يتسع لغير حبنا، كنا نتساءل كذلك: لماذا نتبادل الرسائل، وأية متعة أسمى من أن نكون معا، الكف بالكف ونحن نعاشر ليالي الصيف المقمرة، ونداعب حبات المطر في ليلة عذبة الشتاء؟ حين نسترخي عند دجلة، ونرمي أحجار الماء والدوائر المتسعة، يكتشف كلانا، أن الحب ما عاد يكفيه، فنبحث عن جنون اكبر من جنون الصباحات والمساءات، واكبر من هو من السفر المفاجئ ما بين اربيل والانبار والحلة والتأميم والراشدية والمدائن وبيوت الأصدقاء، ولهذا نكتب.. ونكتب كي نطلق العنان لما تخفيه مشاعر الحياء والتردد والكلمات المخذولة في اللحظة المناسبة، وكان أحلى ما في كتاباتنا، أن الرسائل لا تحمل سطورا بل خلجات روح تتبادلها حروفنا المرتبكة وأخطاؤنا الجميلة ونكهات أصابعنا، فنضحك ونكتب، وأحلى ما في كتاباتنا، إنني اسمع رسالتي بصوتك وانا مسكون بالمخاوف، ولأنك تسمعين رسائلك بصوتي، وأنت مسكونة بالترقب، فقد يكون هنا حرف ضائع، وقد يكون هناك فعل من غير فاعل، ومع كل رسالة جديدة نحاول ابتكار لغة لا تنتمي إلى لغات العالم، ونكتشف ما لم يفصح عنه الصيف والشتاء ومدن السفر وضفة النهر، نحذف ونضيف ونجتاز الذي ما عاد يكفينا، إنها لغتنا وابتكارنا ورسائلنا بعطر أوراقها وخربشة حروفها ورائحة أنفاسها.. يا الحبيبة.. ما توقفنا 33 سنة عن طقس الرسائل والذي ما عاد يكفينا، فما الذي تغير حتى تكون آخر رسائلك أنيقة كأنها علبة ثلج مستورد، أو هدية بين غريبين؟ اعلم إنني رجل بدوي ما زال يتنفس نقاوة الصحراء، وحرية البادية، ولم تهشم صلابة رأسه عجلات، واعرف أن العالم يكتب نواياه على ورق صقيل بحروف ليزرية وآلات صامتة، تغتال فطرة العشق وبراءة العشاق، لكننا لا ننتمي -أنا وأنت- إلى غير كوكبنا الذي اكتشفناه بين يدي موفق الخطيب وجهاد زاير ولمياء نعمان وقاسم سبتي وعيسى الياسري وأطوار بهجة، واعترف إنني ما استمعت بحرف ولا كلمة، فأنت لم تكوني في الرسالة، كان الكومبيوتر، الذي لا ترتعش مفاتيحه، ولا يترك بصمات أنفاسه ولا يمارس كذبات صغيرة، كنا نهتدي إليها من زلة قلم او عبارة مشطوبة، فيدغدغ الاهتداء مواطن البهجة، حاضرا، وحده كان حاضرا، على الورق الصقيل، باردا من وجع العشق كقلوب العجائز! احتملي بداوتي، واكتبي كما الأمس، مرة على منديل قماش حريري، مرة على قصاصة عتيقة، ومرة على ورقة جوري، ومرة لا أجد في المظروف غير زنبقة ياسمين، وفي كل المرات بتلك الفوضى وعبث العاشقات، وانا ادرك ان هذه رسالة عتب او شوق او اعتذار او زعل او لهفة واعرف من رسم الكلمات او احمر الشفاه، أي الهواجس تبثها الروح.. عامك وعام العشاق والوطن مطرز بالسلام والمحبة.
|