المعتقد الديني، والإرث القومي، وبيئة القرية والمدينة، أو السهل، أو الهور أو الجبل أو الصحراء ومناخ شديد الحرارة او معتدل او شديد البرودة ، ومنطقة تسكن على ضفاف النهر وتعاشرها الأمطار، ومنطقة بعيدة عن مصادر المياه وتعاني من الجفاف .. هذه العوامل كلها كما يقول العلماء ترسم الى حد كبير جدا هوية المجتمع السلوكية وتحدد عاداته وتقاليده ومفاهيمه بشأن الحلال والحرام والشرف والعيب والجبن والشجاعة والبخل والكرم ، ومثلما تحدد نظرته الى الجمال والقبح والحياة الزوجية والعمر المناسب للزواج وما يلبس ويؤكل وما لا يلبس، ولا يؤكل .. والقائمة تطول . هذا التباين في الطباع والهويات والأعراف بقدر ماهو أمر طبيعي، ويمكن ان يحصل حتى في داخل البلد الواحد، بقدر ما يجعل الشعوب والأمم مدعوة على المستوى الأخلاقي الى تقدير واحترام عادات كل شعب وتقاليده .. ولكي نقترب من الصورة ميدانياً نشير الى ان اكرم رجل عراقي في توصيفنا هو الذي ينحر خروفا لضيفه بحيث انعكس ذلك على أقوالنا الشعبية، فنحن نعتذر للضيف بعد ان قدمنا له وجبة طعام تتضمن عشرين صنفا (جيتك يرادلها طلي ) وكأن أطباق السمك والدجاج والدولمة والبرياني والكبة لا تكفي، في حين يعد الرجل الكريم في السويد هو لذي يدعو ضيفه الى قدح عصير في الكازينو، أما قمة الضيافة في المانيا فهي توديع الضيف الى باب المنزل، ولذلك يقولون عنا (شعب مبذر ) ونقول عنهم (شعب بخيل )، والقولان كلاهما غير سليم اذا احتكمنا الى العوامل التراثية والبيئية والمناخية والدينية والاجتماعية والثقافية. وعلى هذا السياق تنظر عموم البلدان الأوربية الى الشرف على أنه شكل من أشكال الإخلاص في العمل والحرص على تطوير الانتاج والحفاظ على المال العام وكل تقصير في ذلك يعد نقطة ضعف أخلاقية ومهنية، بينما يتحدد مفهوم الشرف في العراق وعموم البلدان المماثلة بثوب المرأة النظيف الذي لم يمسسه إنس، ولا جان، وقد أشار أحد الأدباء المصريين الى ذلك إشارة بلاغية ظريفة (ان شرف الغربي علني مكشوف، وشرف الشرقي يختبئ بين فخذي امراة !) وقرأت مرة أن الرجل في فرنسا وعموم البلدان المماثلة لا يخفي عن زوجته جريمة الخيانة الزوجية، ويعتذر لها عن لحظة ضعف إنسانية، ويتعهد بأن لا يلعب بذيله ثانية, وفي العادة يحصل على العفو وتمضي الحياة سلسة، ويكون الزوج عند عهده. أما في العراق وعموم البلدان المماثلة فيظل الرجل يلعب بذيله حتى اذا افتضح امره نفش ريشه وفتل شاربيه وألقى على زوجه يمين الطلاق !! نقلت لنا الاخبار ان مئات الأثرياء الاميركان طلبوا من حكومتهم فرض مزيد من الضرائب لكي ينتفع بها الفقراء والمحتاجون، وأطلقوا على هذا الموقف عنوان ( النزعة الإنسانية )، وفي العراق يتبارى مئات الاثرياء للتهرب بشتى الوسائل من دفع الضرائب ويطلقون على هذا الموقف اسم ( الشطارة )، وفي ما يقضي ثلاثة ارباع الأثرياء هناك أوقاتهم في النوادي الليلية، فإن ثلاثة أرباع الاثرياء هنا يقضون اوقاتهم في دور العبادة و.... تلك هي الشعوب وعاداتها، ففي كردستان تزف العروس على ايقاع الدبكة، وفي الهور تنقل الى عش الزوجية بالمشاحيف، وفي البادية تحمل على ظهور الابل، أما في بغداد عاصمة التاريخ والمجد والنضارة فتجري مراسيم الزفاف تحت وابل من الرصاص !!
|