ظاهرة غريبة شهدها العراق منذ قيام دولته والى يومنا المبارك هذا ، على الرغم من أن البلد خضع لأنواع من الأنظمة والحكومات ، وهذه الظاهرة تتمثل بإهمال المبدعين او إغفالهم او نسيانهم تماما ، حتى إذا انتقلوا الى رحمة الله تعالى ، اهتزت شوارب الحكومة ، وانتفض ضميرها ، وراحت تغدق على (المرحوم) ما شاء لها الإغداق ، وتطلق عليه من الالقاب الرنانة ما شاء لها الإطلاق ، وكأنها تحاول التكفير عن ذنبها ولو بعد فوات الاوان !. مات الرصافي ، ذلك الرمز الكبير من رموز الشعر والنضال والوطنية وهو يعاني من الفقر والحاجة ، ولم يتم الالتفات أليه في حياته ، ثم نرفع له بعد رحيله تمثالا فخما ونعلي ذكره ، ومات الجواهري ودجلة الخير لم يجف حبرها ، بعيدا عن وطنه ودجلته ، منفيا عن عراقه وعراقيته ، ثم رحنا نندبه ونقيم المهرجانات بأسمه ، ولم يكن السياب نزيل المرض والمشفى الكويتي أحسن حالا ، مات من سوء التغذية والقهر والغربة والإهمال ، وقائمة الذين طرزوا سماء العراق بالابداع ، ورفعوا اسمه عاليا في المحافل العربية والدولية ، طويلة جدا ، لا تبدأ بصديقة الملاية التي ختمت حياتها شحاذة على باب الإذاعة العراقية ، ولا تنتهي عند طالب القره غولي ، شيخ الفنون اللحنية الذي نقل معه الى القبر مرضه القاسي ، وإهمال الدولة الأقسى ، والذي لم يأخذ موته من الاهتمام اكثر من خبر عابر على هذه الفضائية او تلك الجريدة ، وقل مثل هذا وأسوأ من هذا عن فلان وفلان في مسلسل النسيان المزمن !. و .. ودعونا بعد ذلك نسأل : كم هو عددهم شبيهو (طالب) ، سواء من الراحلين ، أم من الذين ينتظرون دورهم ، وفي موقعة الحزن والاستذكار هذه ، يمثل أمامي الفنان قاسم السراج ، المخرج والممثل والمؤلف ، والمناضل الذي أمضى سنوات الغربة مطلوبا للنظام السابق ، وهو يعيش وحدة مريرة مع المرض ، وما زال ينتظر العين التي تلتفت أليه ، وربما كان هذا الفنان بمقاسات غيره ، أنسانا محظوظا ، لان السيد نائب رئيس الجمهورية الدكتور أياد علاوي ، مد أليه يده الكريمة وتكفل بعلاجه ، لولا الظروف السياسية العصيبة ، والانشغال بتشكيل الحكومة التي أدت الى بعض التأجيل ، ونأمل بعد ان عبر العراق مهمة تشكيل الحكومة ، ان يفي الدكتور بوعده على عهدنا به ، فيسن بذلك سنة حسنة للآخرين ، ويحدونا الأمل ان يكون العراقيون جميعهم ، وفي مقدمتهم رموز الابداع ، موضع رعاية الدولة والحكومة والمسؤولين !!.
|