لم يستوقفني شيء ، من فنون المعارف الانسانية ، كما استوقفني التراث بحلقاته ومفاصله وتفرعاته جميعها، ولذلك حرصت طوال عمري على قراءة ما يقع تحت يدي من مطبوعات وبحوث تتناول هذه القضية التراثية او تلك ، ومن منطلق الحرص نفسه كنت اتابع ما يقدم في الاذاعة او التلفزيون او شاشات الفضائيات من موضوعات في هذا المجال ، ومن هذا المنلطق ذاته حضرت قبل اسبوعين تقريبا نوة اقامتها جمعية التراث العراقي على قاعتها في المنصور انعقدت الندوة تحت عنوان (الخانات .. وظيفة وهندسة معمارية) وكان اول المتحدثين هو الدكتور عبد الهادي الجبوري ، حيث حصر محاضرته بقضية محددة هي (خان جفان .. حكاية ومثل) ، وكان من الطبيعي ان تبدأ المحاضرة بتمهيد او مقدمة عامة ، تناول فيها المحاضر الاسباب الموضوعية التي دعت الى التفكير بانشاء الخانات لكي تؤدي وظيفة خدمية بالغة الاهمية يومها ، وهي باختصار شديد انها قامت مقام فنادق او محطات استراحة على طريق الزوار ، اذا ما علمنا ان الناس قبل قرن او قرنين من الزمن كانت تستخدم الابل والخيول والحمير وسائط للنقل ، وان المسافة التي نقطعها حاليا في خمس ساعات ، كان البعير يقطعها في عشرة ايام او يزيد، وبالتالي لابد للمسافرين وحيواناتهم من فنادق او محطات استراحة على الطريق !!. ولم تفت المحاضر تلك الاشارات المقتضبة الى اشهر الخانات العراقية ، وتحديد اماكنها وتواريخ بنائها مثل خان النص والمحمودية والاسكندرية والنبكه والمدلل والكحبولي والباشا والحضيري والذهب وضاري والدفتر دار والمصبغة ومرجان والوقف وغيرها من الخانات ، موضحا في الوقت نفسه الاسباب التي تقف وراء تسميه كل خان ، فقد تكون بدافع جغرافي او نتيجة حادث معين او ان التسمية مشتقه من المكان وا تحمل اسم الشخص .... الخ !. على اية حال حين فرغ المحاضر من مقدمته المختصرة ، وكانت بحق بالغة الاهمية ، لان اغلب معلوماتها جديدة علينا ، انتقل الى الحديث عن مضمون محاضرته الخاصة بخان جفان ، وقد صرف الرجل قرابة 90 دقيقة للتعريف بهذا الخان تفصيليا ، من اين جاءت التسمية ، موقعه ، مساحته ، تاريخ بنائه .. الخ ثم تحدث عن الصفة الاهم في هذا الخان ، حيث كان مفتوح الباب على مصراعيه ، يدخله او يخرج منه مئات الاشخاص من دون حسيب ولا رقيب ، ومن غير سؤال ولا استفسار ، ولذلك اصبح خان جفان مضرب المثل للفوضى والتسيب وغياب المسؤولية وعدم الاهتمام .. الخ وختم كلامه قائلا : والشيء بالشيء يذكر فان العراق بعد عام 2003 بات اشبه بخان جفان ، واجهش بالبكاء ، وبكى الحاضرون بكاء مرا وانا مستغرب لكوني لم افهم ما هو وجه الشبه بين العراق وبين خان جفان ، الا انني قلت لنفسي ، حشر مع الناس عيد ، واجهشت بالبكاء !!.
|