كان خبثاء الماضي يؤججون الخلافات البسيطة ويصعدونها الى شجار والى معركة وربما تتطور الى القتل ... والخبثاء يؤججون لا بتشجيعهم ودعوتهم لاستخدام أيديهم ومسك خناق بعضهم البعض ، على العكس، فحين يرون الخلاف بين الصبيان او بين الشباب او بين الكبار ينادونهم ان يتحلوا بالعقل ويكفوا عن الملاسنة. وقد يعمدون لإبعادهم عن بعضهم، ويقفون بينهم فيشعر المختلفون إنهم في وضع يهدد كرامتهم فيتصاعد انفعالهم وتصل القبضات من وراء الساعي الى التهدئة ... وتبدأ المعركة ويتمتع الخبثاء بالمشهد المثير .. جدران الكونكريت لها مثل هذا الدور التحريضي والمؤجج للخلافات وتأزيم المواقف وافتراض حالة توقع البسطاء في حبائلها وأفخاخها، وتغرس فيهم ما تسعى اليه وتصرخ باستمرار بالهويات والقيود. فالجدران تأسيس لها، ويعرف من جاء بها ، وعن تجربة أنها تقوم في المشاعر والوجدان قبل ان تقوم على الارض وقد خاب فأل بعض من انتظر من الأميركان نقل العراق الى النموذج الأميركي وان كان على حساب الكرامة الوطنية ولعنة الاحتلال .. وعود حكومية كثيرة برفع هذه الجدران والحواجز وكل ما يقطع ويشطر ويمزق المدن ويذكر المواطن بطائفته وقوميته وبالمخاوف المفترضة .. إلا ان غياب شهر واحد عن المدينة يصدم العراقي بعودته إليها .. فقد زادت وتضاعفت الجدران.. ويقال أنها لو استثمرت لبناء المساكن لحلت أزمة السكن ولأمد طويل .. الغريب والنادر ان تتفوق الشعوب والمجتمعات على النخب السياسية .. فالمعروف ان المجتمع العراقي مبرأ من هذه النعرات باستثناء بعض الجهلة والبسطاء والمعتاشين عليها والمنتفعين منها وينظر بكثير من الامتعاض والقرف الى هذه الجدران لاسيما بعد اكتشافه القصد والنية، ثم، ان هذه الجدران لم توفر الأمان لأي عراقي.. ويقال انه يوم يعرف الناس أية حياة يعيش بعض الساسة سيندهشون وقد يعذرونهم على المتاجرة والمزايدة والتشبث بها ... من بين ما تسببه الجدران ليس فقط عزلة المدن والأحياء بل هذا الجهد المضاف في اللف والدوران للوصول الى الدار .. وصارت خطوط النقل الخاص للمدارس والكليات تضاعف أجورها .. لماذا؟ لماذا كل هذه المتاعب؟ والجدير بالذكر فإن موقع الممر الواحد للمدينة يخضع لطلبات ومصالح المسؤول في المدينة.. ان من قبل بالجدران لا يلزمه الوعد بإزالتها ، ومع ذلك فإن فشلها النفسي سيضطره لإزالتها.
|