حقا انه رجل غريب في افكاره وسلوكه وارائه ، وفي كل شيء لم يحصل في يوم من الايام ان اتفقنا على قضية ، او قر قرارنا على موضوع ، الا وكان له موقف مغاير ، وموقف مخالف ، كان يعترض على اجماعنا ، ويقول لنا بكثير من قله الحياء وسوء الادب ، انتم مثل القطيع ، تمشون وراء الراعي ويقلد بعضكـــــم البعض الاخر ، من دون ان تتأملوا وتفكروا ، وتكون لكم قناعتكم الخاصة !!. ما زلت يوم غادر الامريكان بعد توقيع اتفاقية الانسحاب ، كيف كنا نتبادل التهاني ، وكيف صفقنا ورقصنا ووزعنا الحلوى ، بل ذهبت الحماسة ببعضنا الى نحر الخرفان ، واقامة الولائم ، حيث لا شيء اكثر وقعا وفرحا على قلوب الشعوب من نيل الاستقلال ، والتحرر من الاحتلال ... الا هو ، صاحبنا عبد الله العراقي ، كان في اسوأ حالاته ، فقد عاشره الهم والغم ، وركب الحزن وجهه ، بل انه لم يتمالك نفسه من البكاء عندما غادر اخر جندي امريكي ارض العراق ، حتى ان احد الاصدقاء مازحه قائلا : لا يبكي الرجل الا اذا كان عاشقا ، ويبدوا انك عشقت احدى المجندات الامريكيات ! وفيما ضحكنا من اعماقنا ، كان عبد الله يغلي غضبا وهو يؤنب غباءنا، لاننا لم نفكر ولو للحظة ، كيف نسمح للمحتل ان يغادر ارضنا من دون اعمار كل صغيرة وكبيرة تسبب في دمارها ، الماء والكهرباء والبنى التحتية والخدمات والنفوس .. وشعرنا ان الرجل على حق ، واننا فعلا مجموعة اغبياء !. قبل ايام قلائل ، كان الحوار بيننا ، متشعبا وطويلا وساخنا ، حول رئيس الوزراء الجديد ، الدكتور حيدر العبادي ، وبغض النظر عن التفاصيل الكثيرة والمملة ، وكثرة التقاطعات والخلافات ، الا ان الراي الذي لم نختلف فيه واجمعنا عليه ، هو ان العبــــادي شخصية سياسية تحمل بشائر الخير والاستقرار معها الى العراق ، وقد استندنا في ذلك على جملة من خطاباته وتصريحاته ، من بينها امره العسكري ، كونه قائدا عاما للقوات المسلحة ، والقاضي بوقف القصف العشوائي على المدن لتجنيب المدنيين مئات الخسائر في الارواح ، ومنها وعده القاضي بحصر السلاح بيد الدولة ... الخ ، صاحبنا عبد الله العراقي ، على عادته هو الوحيد الذي قال (لا تتعجلوا في الحكم على السيد العبادي ، اذا اردتم التعرف على شخصيته الحقيقية ، فانتظروا حتى عام .....!!) وسكت بضع لحظات ثم اكمل (حتى عام 1922 !!) اثار الرقم دهشتنا قبل ان يوضح : في هذه السنة تظهر شخصيته على حقيقتها عبر انسحابه من السلطة او ترشيحه لولاية ثالثة !! الحق .. كان العراقي كذلك على حق !!.
|