المرئي والظاهر والمعلن من السياسة الأميركية، أنها ترفع شعار الديمقراطية في كل دعوة من دعواتها أو على كل منبر من منابرها، ولا أظن أن اثنين يختلفان على أن الولايات المتحدة هي واحدة من أكثر دول العالم عناية بالحرية، وتبنيا لمفاهيمها ونشرا لمبادئها، ولأن الحرية لا طعم لها ولا رائحة إلا في ظل السلام ودحر الأنظمة القمعية والدكتاتورية والشمولية، ولأن أميركا هي القوة الدولية العظمى في البناء العسكري والاقتصادي والعلمي، خاصة بعد الهزة العنيفة التي قطعت أوصال الاتحاد السوفيتي ومعسكره، فقد وجدت الولايات المتحدة نفسها مخولة من شعورها العالي بالمسؤولية ومستقبل العالم الجديد – وليس من الأمم المتحدة أو مجلس الأمن بإرساء دعائم السلام والحرية وإسقاط الأنظمة المتحجرة والوراثية والمعادية للديمقراطية وتطلعات الشعوب، ومن هنا بدأت تتحرك منذ بضعة عقود بهذا الاتجاه وقامت بواجبها حتى الآن على أفضل وجه، وربما كانت خطوتها الأولى في العراق بعد أن نضجت ظروفه، فرئيس السلطة أمضى إلى يوم سقوط تمثاله ، قرابة 23 سنة، وهو يحكم البلاد بمنطق القوة والخوف والبطش، وبمنطق (العائلة) الحاكمة، وتوريث النجل والحفيد وابن الحفيد إلى يوم يبعثون، أما غياب الحريات، وتجويع الشعب والتصرف بخزينة الدولة وكأنها قاصة توفير منزلية، فهي تحصيل حاصل، ولذلك تحركت القوات الأميركية لتحرير العراق، ووضعه على طريق السلام، والديمقراطية، انطلاقا من المسؤولية التي تتحملها الولايات المتحدة بشرف عال، ولا قيمة لحفنة الأكاذيب والديكورات التي طرحتها تبريراً لموقفها، بل لا قيمة للبالونات القانونية على غرار موافقة مجلس الأمن، أو امتلاك العراق أسلحة دمار شامل، أو لملمة خمسين جنديا من هنا ومائة من هناك تحت اسم (قوات التحالف) .... أساس القضية أن الوضع في العراق بلغ مرحلة النضج والقطاف ! أميركا كما يوحي المعلن من سياستها، تؤدي واجبها الدولي في إطار مسؤوليتها لحفظ السلام العالمي، أو القضاء على الأنظمة الشمولية ونشر الديمقراطية، وهي بذلك تستحق عظيم الشكر والثناء من الشعوب المغلوبة على أمرها، ومن شعوب العالم اجمع، وإذا كان بعضهم يجد غضاضة من الاستعانة بها، لأن ذلك (قد) يخدش كبرياء الوطن وسيادة البلاد، فإن الشعب الليبي الذي طفح به الكيل على ما يبدو من الأخ معمر القذافي وذريته، لم يخرج من طلب العون الأميركي والأجنبي لاحتلال بلاده، وتخليصه من رؤوس النظام التي أينعت وحان قطافها، ولو لم يبادر الليبيون إلى ذلك لبادر الاميركان عاجلاً أو آجلا إلى الموقف ذاته !! حسابات القوة الوحيدة وسياستها أوضح من عين الشمس، ومع ذلك هناك سؤال بسيط يؤرقني: لماذا لم تقم الولايات المتحدة إلى الآن بدورها المطلوب في كوريا الشمالية مثلاً أو في إيران التي تصفها أميركا بالذات: إنها تخضع لنظام دكتاتوري يخنق الحرية ويقمع المعارضة ويصدر الارهاب ويتدخل في شؤون الجيران؟! أنا شخصياً أدرك العلة، ولكن ليس كل ما يعرف يقال لأسباب احترازية !!
|